أول هذه الأسباب وأخطرها: العداوة والبغضاء، فإن آذاه شخص بسبب من الأسباب أو خالفه بوجه من الوجوه أبغضه قلبه، وغضب عليه, ورسخ في نفسه الحسد، والحسد يقتضي التشفي والانتقام، فإن عجز المبغض عن أن يتشفى بنفسه أحب أن يتشفى منه الزمان، وذلك بأن تقع مصائب لأخيه، وذلك إذا اشتد الحقد، فإذا حصلت بأخيه مصيبة كأنه يموت له ولد أو قريب فإنه يستدل على أن ذلك لكرامته هو على الله، وأن الله أصاب عدوه ببلية، فيفرح بهذه البلية، ويظنها مكافأة له من جهة الله على أخيه، وأنها لأجله.
وإذا أصابت أخاه نعمة ساءه ذلك، وظن أن الله سبحانه وتعالى إذا أنعم على أخيه، أو إذا أنعم على عدوه بتعبير آخر، فهذا لأن ذلك الحاسد لا منزلة له عند الله، حيث لم ينتقم له من عدوه الذي آذاه، بل أنعم عليه.
فالحسد يلزم منه البغض والعداوة، وإنما غاية التقي ألا يبغي، وأن يكره ذلك من نفسه، فالصالح المؤمن التقي إذا بادره قلبه إلى ذلك فإنه يمسك بلجام نفسه ولا يتعدى إلى الأذى، قال عز وجل:{وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الأَنَامِلَ مِنَ الغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ * إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ}[آل عمران:١١٩ - ١٢٠] وقال عز وجل: {وَدُّوا مَا عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضَاءُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ وَمَا تُخْفِي صُدُورُهُمْ أَكْبَرُ}[آل عمران:١١٨].
إذاً: الحسد يؤثر البغض، والبغض يسبب التنازع والتخاصم، والتنازع والتخاصم يؤدي إلى استغراق العمر في إزالة النعمة بالحيل والدعاية وهتك الستر.