الأمر الثاني: روح اللامبالاة، وهي روح منتشرة في كثير من الناس، مع أن الشرع الشريف يربي في المسلمين الشعور بالمسئولية، ولا أدل على ذلك من قول الله تبارك وتعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ}[التحريم:٦]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن الله سائل كل راع عما استرعاه حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته).
فنحن نتكلم كثيراً عن الحكم بما أنزل الله ثم نقتصر فقط على دائرة الحدود، الحكم بما أنزل الله في كل الأمور الشرعية، أنت إذا رجعت إلى أي كتاب فستجد فصلاً كبيراً اسمه: الحكم والحاكم والمحكوم فيه والمحكوم به والمحكوم عليه إلى آخره، فحكم الله في كل شيء، فأنت مطالب أن تحكم بما أنزل الله في بيتك، وأن تدير هذا البيت وفق شريعة الله سبحانه وتعالى، فكثير من الآباء يوجد عندهم روح اللامبالاة بالأولاد، وهذا مضاد للإسلام الذي خاطب الآباء بقوله:(كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، وقال في نفس الحديث:(الرجل راع في أهله وهو مسئول عن رعيته)، وقال صلى الله عليه وآله سلم:(إن الله سائل كل راع عما استرعاه حتى ليسأل الرجل عن أهل بيته).
فلا تظن أنك إذا أسأت إلى الأولاد أو إلى الزوجة أن الزوجة ستصبر، وأن الأولاد لجهلهم بحقوقهم ما زالوا صغاراً لا يدركون أنك مقصر، أو يستحيون أن يحاسبوك، لا تظن أنك قد نجوت بهذا، فالسؤال منتظر لك يوم القيامة، فستسأل عن سلوكياتك معهم.
الإسلام نمى في المسلمين الشعور بالمسئولية نحو الأبناء، فليس هناك أمر يحدث في المجتمع ولا يكون له تأثير، وما أروع حديث السفينة الذي يجعل أي عمل من أي فرد له تأثير على المجتمع كله، فهذا الحديث يبين لنا أن روح اللامبالاة تقضي على الأمة كلها.
المسلمون في بلادهم عبارة عن أناس يركبون هذه السفينة، إذ لو أن ذاك الرجل الذي أراد أن يخرق في موضعه من السفينة خرقاً ترك وشأنه، يثقب ثقباً في السفينة ليشرب ولا يؤذي من فوقه، ولم يؤخذ على يده؛ هلك وهلكوا، وآل الأمر من أصغر خرق إلى أوسع خرق، ثم البحر يبتلعهم جميعاً، فإذا استسلمنا جميعاً لروح اللامبالاة فلا شك أن ركاب السفينة جميعاً سيغرقون.
ومظاهر الشعور باللامبالاة كثيرة جداً، وهذا الكلام ينكأ كثيراً من الجراح عند بعض الناس؛ لأن بعض الآباء لم يعرف ابنه في السنة كم ذهب إلى المدرسة، وليس عنده أي خبر على أنه ابنه كثير الغياب، وهو يظن أنه خلق لينفق المال، وهو غير مقصر مع أولاده ما دام أنه يعطيهم مالاً، فيهمل أولاده تماماً حتى أن بعضهم لا يعرف ابنه في أي سنة دراسية بلغ أو في أي مدرسة يدرس، فهناك نوع من اللامبالاة والإهمال يعكس فعلاً تمكن الأمية التربوية في مجتمعنا.