الحمد لله رب العالمين، وصلى الله على عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم الذي دعا إلى كل خير وصلاح، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ألوهيته وربوبيته، ولا ند له في عظمته وكبريائه ومجده وأحديته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، وخيرته من بريته، اللهم صل وسلم وبارك عليه، وعلى آله وأصحابه، وسائر القائمين بحقوقه ونصرته أما بعد: فهذا موضوع قد ناقشناه من قبل مناقشة عابرة، والآن إن شاء الله تعالى نلخص القول فيه بحيث يتمكن من احتاج إلى الموضوع أن يرجع إليه، وهو: موضوع الأحكام التي تتعلق باحترام خصوصية الإنسان، وبعض الخصوصيات التي احترمتها الشريعة الإسلامية، والتي فاتت على كثير من الناس، وأعظم هذه الأبواب في الشريعة هو: أحكام الاستئذان، ثم يليه أمور أخرى سنذكرها إن شاء الله تعالى فيما بعد.
ففيما يتعلق باحترام خصوصية بيت الإنسان وحرمته، ضمن الإسلام حق الفرد في ملك رقبة منزله، وأن يعيش فيه آمناً مطمئناً، محفوظاً من تطفل المتطفلين، وفضول الفضوليين، وعدوان الصائلين، حيث يلقي أعباء الحذر، ويتحرر من قيود التكلف، وحجر على الآخرين أن يطلعوا على ما في هذه البيوت من الخارج، أو أن يلجوها من غير إذن أربابها، وإن ولجوها بإذن أربابها فهناك قيود وضوابط تُلزمهم بغض البصر، وعدم الاطلاع على عورات البيت من داخله، ثم هناك آداب تلزمهم بأنهم إذا خرجوا وقد اطلعوا على شيء مما يختص به صاحب البيت، فلا يفشون له سراً، ولا يهتكون له ستراً، قال الله سبحانه وتعالى في سياق الامتنان على الإنسان بنعمة المسكن:{وَاللَّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً}[النحل:٨٠]، وإنما سمي مسكناً؛ لأنه محل الارتياح والسكينة والطمأنينة والاستقرار والأمان؛ فإن الإنسان إذا أفسد عليه هذا الملجأ الأخير فإلى أين يلجأ بعد ذلك؟! فمن ثَم اهتمت الشريعة جداً بتعظيم حرمة البيوت باعتبارها آية من آيات الله سبحانه وتعالى، وهي سكن وراحة واطمئنان، فالبيت كالحرم الآمن لأهله، فلا يستبيحه أحد إلا بعلم أهله وإذنهم، وفي الوقت الذي يريدون، وعلى الحالة التي يحبون أن يلقوا الناس عليها، ولا يحل لأحد أن يتطفل على الحياة الخاصة للأفراد بالاستنصات، أو التجسس، أو اقتحام الدور ولو بالنظر من قريب، أو من بعيد، بمنظار أو بدونه إلخ.
فالحاجة لتذكير الناس بحرمة البيوت، واحترام خصوصيات أهلها، حاجة ملحة ومتجددة، ويكفي في بيان أهمية هذا الأمر، وثقل وزنه في الشريعة أنّ الله سبحانه وتعالى أنزل فيه قرآناً يتلى في المحاريب إلى ما شاء الله تعالى؛ ليحفظ هذه الحرمة، ويصون هذه الخصوصية.