[الحصول على حق الزيارة والبراءة من النار والنفاق]
وعن سلمان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من توضأ في بيته فأحسن الوضوء ثم أتى المسجد فهو زائر الله، وحق على المزور أن يكرم الزائر).
وعن عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إن الله تبارك وتعالى ليعجب من الصلاة في الجمع) يعني: في الجماعة.
وعن أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من صلى لله أربعين يوماً في جماعة يدرك التكبيرة الأولى كتب له براءتان: براءة من النار وبراءة من النفاق)، فمن أراد أن يكتب له براءة من النار وبراءة من النفاق فليجتهد في تحقيق هذا الحديث، لكن الحديث بشروط: أولاً: (من صلى)، فأول شيء أن تكون صلاة فريضة.
ثانياً: (من صلى لله) وهذا شرط إخلاص النية، أي: لا يكون رياءً ولا سمعةً، وإنما لله.
ثالثاً: (أربعين يوماً في جماعة) يعني: يصلي أربعين يوماً متصلة دون انقطاع في صلاة جماعة.
رابعاً: (يدرك التكبيرة الأولى) فلابد من أن يكون حاضراً وقت تكبيرة الإحرام.
وعن أبي بن كعب رضي الله تعالى عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟) و (شاهد) بمعنى: حاضر (قالوا: لا.
قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا.
قال: إن هاتين الصلاتين -يعني: صلاة العشاء والصبح- أثقل الصلوات على المنافقين).
يقول ابن دقيق العيد رحمه الله تعالى: إنما كانت هاتان الصلاتان أثقل على المنافقين لقوة الداعي إلى ترك حضور الجماعة فيهما، وقوة الصارف عن الحضور.
يعني: الداعي إلى ترك الحضور قوي، والصارف عن الحضور أيضاً قوي، فهي فتنة من الجانبين.
يقول: إنما كانت هاتان الصلاتان أثقل على المنافقين لقوة الداعي إلى ترك حضور الجماعة فيهما، وقوة الصارف عن الحضور، أما العشاء فلأنها وقت الإيواء إلى البيوت، والاجتماع مع الأهل، واجتماع ظلمة الليل، وطلب الراحة من متاعب السير بالنهار.
وأما الصبح فلأنها وقت لذة النوم، فإن كانت في زمن البرد ففي وقت شدته لبعد العهد بالشمس لطول الليل، وإن كانت في زمن الحر فهو وقت البرد والراحة من أثر حر الشمس لبعد العهد بها، فلما قوي الصارف عن الفعل ثقلت على المنافقين، وأما المؤمن الكامل الإيمان فهو عالم بزيادة الأجر لزيادة المشقة، فتكون هذه الأمور داعية له إلى الفعل كما كانت صارفة للمنافقين، فهي تصرف المنافقين عن الحضور، وهي -أي: نفس الأسباب- تدفع المؤمن إلى الحضور لما يرجو من ثواب الله سبحانه وتعالى.
ولهذا قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لو يعلمون ما فيهما - يعني: من الأجر والثواب- لأتوهما ولو حبواً) يعني: لو يعلم المنافقون الثواب الذي يترتب على صلاة الفجر والعشاء لأتوا إلى المساجد ولو حبواً، أي: يخرج أحدهم من بيته إلى المسجد حبواً كما يحبو الطفل الرضيع على يديه وركبتيه، ولحرصوا على تحصيل هذا الثواب الكبير إذا كشف لهم عظم هذا الثواب.
ولذلك المؤمن لا يأتي حبواً لكن يأتي اشتياقاً لهذا الأجر العظيم، فيكون هذا الأجر داعية له إلى تحصيله لما عنده من يقين من حصول هذا الأجر، ويستحضر أنه سينال وعد الله سبحانه وتعالى.
وانظر إلى ذي القرنين، قال تعالى عنه: {قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا * قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ * إِلَى رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا * وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} [الكهف:٨٦ - ٨٨] فالمؤمن لا يطلب ثواباً في الدنيا {فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَى} [الكهف:٨٨] يعني الجنة في الآخرة، فالمؤمن قدم ثواب الآخرة، وهذا هو المحرك والدافع لعمله {وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا} [الكهف:٨٨] أما في الدنيا فسنقول له قولاً حسناً.
فهكذا المؤمن يحركه ويدفعه دائماً الطمع فيما عند الله سبحانه وتعالى من الثواب في الآخرة.
والصحابة لما بايعوا النبي عليه الصلاة والسلام ما بايعوه على وظائف أو مناصب، أو دنيا، وإنما بايعوه على الجنة، وقالوا: ربح البيع، لا نقيل ولا نستقيل.
فعن أبي بن كعب رضي الله عنه قال: (صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوماً الصبح فقال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا.
قال: أشاهد فلان؟ قالوا: لا.
قال: إن هاتين الصلاتين أثقل الصلوات على المنافقين، ولو تعلمون ما فيهما لأتيتموهما ولو حبواً على الركب؛ فإن الصف الأول على مثل صف الملائكة، ولو علمتم ما فضيلته لابتدرتموه -يعني: لتسابقتم عليه- وإن صلاة الرجل مع الرجل أزكى من صلاته وحده، وصلاته مع الرجلين أزكى من صلاته مع الرجل، وكلما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل)، فإذاً: هذه أحد مرجحات صلوات الجماعة إذا تعددت في الحي الذي أنت فيه.
وهناك مرجحات عديدة، منها: أن يكون المسجد أقدم.
ومنها: أن يكون المصلون أكثر عدداً، فكلما كثر العدد كلما زادت البركة ونزلت الرحمات، فلذلك هنا في الحديث يقول عليه الصلاة والسلام: (وكلما كثر فهو أحب إلى الله عز وجل)، فأحد المرجحات كثرة عدد المصلين في المسجد.