استعار عبد الله بن المبارك قلماً من رجل بالشام، وحمله إلى خراسان ناسياً، فلما وجده معه رجع إلى الشام حتى أعطاه لصاحبه.
سلام على تلك النفوس فإنها مسلمة من كل عار ومأثم رجع من خراسان إلى الشام حتى يعيد القلم وقد نساه صاحبه معه، فانظر إلى تعظيم السلف لحقوق الآخرين.
وقال مالك بن دينار: قولوا لمن لم يكن صادقاً لا يتعنى.
أي إن لم تكن صادقاً في طاعة الله فلن تستفيد من هذا العناء.
قال أبو العالية: قال لي أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم: لا تعمل لغير الله فيكلك الله عز وجل إلى من عملت له.
يقول ابن عمر رضي الله عنه: لو وضعت إصبعي في خمر ما أحببت أن تتبعني، من شدة بغض المعاصي والعصاة.
أي: لو أن هذه الإصبع دخلت داخل خمر لوددت أنه تنفصل وإذا سحبتها يكون قد بتر منها هذا الإصبع الذي لمس الخمر، فكيف بمن يشربه والعياذ بالله أو يحمله؟ وقال عثمان بن حيان: سمعت أم الدرداء تقول: إن أحدهم يقول: اللهم ارزقني، وقد علم أن الله لا يمطر عليه ذهباً ولا دراهم، وإنما يرزق بعضهم من بعض، فمن أعطي شيئاً فليقبل، فإن كان غنياً فليضعه في ذي الحاجة، وإن كان فقيراً فليستعن به.
وقال عمر بن عبد العزيز: التقي ملجم لا يفعل كل ما يريد.
ما معنى التقوى لغة؟ أصل كلمة التقوى في اللغة: قلة الكلام، فهنا يقول عمر بن عبد العزيز: التقي ملجم لا يفعل كل ما يريد، أي وإن قدر عليه، فحتى لو كان قادراً على أن يبطش مثلاً بالناس فإن التقوى تحجزه؛ وبعض الناس لا يمتنع إلا عما عجز عنه، فإذ عجز عن النصب والاحتيال وسرقة حقوق الناس وخداعهم، فهذا هو حرام عليه، لكن متى تمكن فهو الحلال عنده، أما التقي فعند القدرة تلجمه التقوى عن أن يفعل ما يريد.
ويقول بعض السلف: من أشرقت بدايته أشرقت نهايته.
ويقول بعضهم: خلص رقبتك ما استطعت في الدنيا من رق الآخرة، فإن أسير الآخرة غير مفكوك أبداً.
وقال مالك رحمه الله: لو أعلم أن قلبي يصلح للجلوس على كنافة لذهبت حتى أجلس عليها، يعني: في سبيل إصلاح قلبه.