أما صور الغيبة فالغيبة لها صور شتى: فقد تكون بالقول، وقد تكون بغير القول، يعني: أنه لا يشترط في الغيبة أن تكون باللسان، بل ممكن أن تكون الغيبة بحركة العين، أو بإخراج اللسان، أو بالتمثيل كأن يحاكي مشيته أو شيئاً من هذا، فالغيبة كما تكون بالقول تكون بغيره.
قال الإمام الغزالي رحمه الله تعالى: ذكر عيب أخيك باللسان إنما حرم لأن فيه تفهيم الغير نقصان أخيك، وتعريفه بما يكره، فالتعريض به كالتصريح، والفعل فيه كالقول والإشارة والإيماء والغمز والهمز والكتابة والحركة، وكل ما يفهم المقصود فهو داخل في الغيبة، وهو حرام.
وقال النووي: وكذا سائر ما يتوصل به إلى فهم المقصود، كأن يمشي مشيته، فهو غيبة، بل هو أعظم من الغيبة، كما قال الغزالي؛ لأنه أبلغ في التصوير والتفهيم، وأنكر للقلب.
ومن صور الغيبة أن يأتي ذكر واحد في مجلس من المجالس، فيأتي آخر من الجالسين فيقول: الحمد لله الذي لم يبتلنا بالدخول على السلطان الحمد لله الذي عافانا من فتنة الدنيا، فهذه غيبة، وصاحبها جمع بين أمرين: بين ذم أخيه وبين مدح نفسه، وأنه رجل زاهد ومخلص، وقد يقول: الحمد لله الذي عافانا من الرياء، وهذه غيبة، فمهما قلت: الحمد لله فلا تظن أن قولها يعفيك من الغيبة، بل هي غيبة.
وقد يأتي ذكر رجل فيقول آخر: الحمد الله الذي عافانا من فتنة الدنيا، أو الحمد لله الذي عافانا من كذا وكذا، أو الحمد لله الذي عافانا من عبودية المال، فهو بهذا يزكي نفسه ويذم أخاه.
كذلك بعض الناس يتكلم في مجلس ويكون الحاضرون في المجلس يعرفون أن الذي يتكلم عليه هو فلان ابن فلان بعينه، كأن يقول: قال بعض الفقهاء، أو قال بعض من رأينا، أو فعل بعض من نعرفه من أصحابنا، أو قال بعض الجيران، فإذا كان الجالسون يعرفون من الذي يقصده فهذه أيضاً غيبة؛ لأنهم يعرفون، وبالتالي فإن المتكلم ذكر أخاه بما يكره من خلفه؛ لأن المخاطب يفهمه بعينه؛ لحصول التفهيم بهذه الصيغة.
وربما سئل شخص عن حال أخيه فيقول مثلاً: ربنا يهدينا! والظاهر أن الشيطان يسول له أنه نفسه ما فعل شيئاً خطأً؛ لأنه يقصد بقوله: ربنا يهدينا، وصفه بالضلال مثلاً، أو يسأل عنه فيقول: ربنا يصلحنا ويصلح أحوالنا، الله يصلحه، أو نسأل الله العافية، أو نعوذ بالله من الشر، أو أي عبارة يفهم منها تنقص المسلم؛ فهي غيبة.