وبعد زوال الشمس كان وقوفنا إلى الليل نبكي والدعاء أطلناه فكم حامد كم ذاكر ومسبح وكم مذنب يشكو لمولاه بلواه فكم خاضع كم خاشع متذلل وكم سائل مدت إلى الله كفاه وساوى عزيز في الوقوف ذليلنا وكم ثوب عز في الوقوف لبسناه ورب دعانا ناظر لخضوعنا خبير عليم بالذي قد أردناه ولما رأى تلك الدموع التي جرت وطول خشوع معْ خضوع خضعناه تجلى علينا بالمتاب وبالرضا وباهى بنا الأملاك حين وقفناه وقال انظروا شعثاً وغبراً جسومهم أجرنا أغثنا يا إلهاً دعوناه وقد هجروا أموالهم وديارهم وأولادهم والكل يرفع شكواه إلي فإني ربهم ومليكهم لمن يشتكي المملوك إلا لمولاه ألا فاشهدوا أني غفرت ذنوبهم ألا فانسخوا ما كان عنهم نسخناه فقد بدلت تلك المساوي محاسنا وذلك وعد من لدنا وعدناه فيا صاحبي من مثلنا في مقامنا ومن ذا الذي قد نال ما نحن نلناه على عرفات قد وقفنا بموقف به الذنب مغفور وفيه محوناه وقد أقبل الباري علينا بفضله وقال ابشروا فالعفو فيكم نشرناه وعنكم ضمنا كل تابعة جرت عليكم وأما حقنا فوهبناه أقلناكم من كل ما قد جنيتم وما كان من عذر لدينا عذرناه فيا من أسا يا من عصى لو رأيتنا وأوزارنا ترمى ويرحمنا الله وددت بأن لو كنت بين رحالنا وترجو رحيماً كلنا يترجاه وقفنا لديه سائلين من الخطا وغفراننا من ربنا قد طلبناه أمرنا بحسن الظن والله حثنا عليه وهذا في الحديث رويناه عليه اتكلنا واطمأنت قلوبنا لما عنده من وسع عفوعرفناه فطوبى لمن ذاك المقام مقامه وبشراه في يوم التغابن بشراه ترى موقفاً فيه الخزائن فتحت ووالى علينا الله منها عطاياه فصالح مهجوراً وقرب مبعداً وذاك مقام الصلح للصلح قمناه ودار علينا الكأس بالفضل والرضا سقينا شراباً مثله ما سقيناه فإن شئت تسقى ما سقينا على الحمى فقلل وما واقصد مقاماً قصدناه وفيه نصبنا للرحيل صفوفنا فقال كفيتم عفونا قد بسطناه وأعتقنا كلاً وأهدر ما مضى وقال لنا كل العتاب طويناه