للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ورع البخاري رحمه الله عن الغيبة]

قال بكر بن منير سمعت أبا عبد الله البخاري رحمه الله تعالى يقول: أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً.

يعني: أن الله سبحانه وتعالى لا يمكن أن يصطفي لموقف الإمامة في الدين أي إنسان، وإنما يصطفي أناساً في القمم، ومن الذين اصطفاهم الله الإمام البخاري رحمه الله تعالى، فهناك المؤهلات والمسوغات لهذا الإمام، ولذا قال: إني أرجو أن ألقى الله ولا يحاسبني أني اغتبت أحداً، وله كلام في علم الرجال كما في كتابه (التاريخ) وفي غيره، ومع ذلك فهو في منتهى الدقة، وواثق من نفسه أنه لم يقع في غيبة على الإطلاق.

وعلق الحافظ الذهبي رحمه الله تعالى على كلام البخاري قائلاً: صدق رحمه الله؛ ومن نظر في كلامه في الجرح والتعديل علم ورعه في الكلام في الناس وإنصافه فيمن يضعفه؛ فإنه أكثر ما يقول: منكر الحديث سكتوا عنه فيه نظر ونحو هذا، وقل أن يقول: فلان كذاب أو كان يضع الحديث، حتى إنه قال: إذا قلت: فلان في حديثه نظر فهو متهم واهٍ.

وهذا هو معنى قوله: لا يحاسبني الله أني اغتبت أحداً.

وهذا والله غاية الورع.

قال محمد بن أبي حاتم الوراق سمعته -يعني: الإمام البخاري - يقول: لا يكون لي خصم في الآخرة -أي: أنه لم يقع في مسلم بحيث يقف يوم القيامة أمامه خصماً بين يدي الله عز وجل- فقلت: إن بعض الناس ينقمون عليك في كتاب التاريخ، ويقولون: فيه اغتياب الناس، فقال: إنما روينا ذلك رواية لم نقله من عند أنفسنا، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (بئس مولى العشيرة) يعني: حديث عائشة.

وسمعته يقول: ما اغتبت أحداً قط منذ علمت أن الغيبة تضر أهلها.

فكانوا إذا اختاروا الصراط المستقيم يبقون على استقامة، ولا يوجد عندهم روغان الثعالب ولا التحايل والتلاعب في حدود الله عز وجل.