للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[إكرام الناس على حسب مراتبهم وإنزالهم منازلهم]

ثم ذكر الإمام النووي رحمه الله تعالى أطرافاً مما جاء في تنزيل الناس منازلهم، وإكرامهم على حسب مراتبهم، وما جاء في احترام وإكرام فضلاء المسلمين، وتوقير أولي السن والورع والعلم والدين، والرفق بطلبة العلم وأولي الفضل والفهم؛ تعظيماً لحرمات المؤمنين المسلمين، ومسارعةً إلى رضا رب العالمين، قال: وهو دليل لما قدمته، وعاضد لما أسلفته: قال الله عز وجل: {وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ} [الحج:٣٠]، وقال تعالى: {ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ} [الحج:٣٢].

ثم روى حديث أبي سعيد رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يأتيكم رجال من قبل المشرق يتعلمون، فإذا جاءوكم فاستوصوا بهم خيراً).

وعن عامر بن إبراهيم قال: كان أبو الدرداء رضي الله عنه إذا رأى طلبة العلم قال: (مرحباً بطلبة العلم)، وكان يقول: (إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصى بكم).

وذكر حديث أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن من إجلال الله تعالى إكرام ذي الشيبة المسلم، وحامل القرآن غير الغالي فيه والجافي عنه، وإكرام ذي السلطان المقسط) أي: الحاكم العادل.

وقال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يرحم صغيرنا، ويعرف شرف كبيرنا).

وهناك حديث ضعيف ذكره عن ميمون بن أبي شبيب أن عائشة رضي الله عنها مر بها سائل فأعطته كسرة، ومر بها رجل عليه ثياب وهيئة فأقعدته فأكل، فقيل لها في ذلك، فقالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أنزلوا الناس منازلهم)، ولكن ميموناً لم يدرك عائشة.

وذكر أيضاً عن عائشة أنها قالت: (أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ننزل الناس منازلهم)، وهذا رواه مسلم في مقدمة الصحيح.

وعن إسحاق الشهيدي قال: كنت أرى يحيى القطان رحمه الله تعالى يصلي العصر، ثم يستند إلى أصل منارة مسجده، فيقف بين يديه علي بن المديني والشاذكوني وعمرو بن علي وأحمد بن حنبل ويحيى بن معين وغيرهم، يسألونه عن الحديث وهم قيام على أرجلهم، إلى أن تحين صلاة المغرب، لا يقول لواحدٍ منهم: اجلس، ولا يجلسون هيبةً وإعظاماً.

وذكر أيضاً عن الإمام البغوي أنه قال: وكذلك تجوز إقامة الإمام والوالي الرجل على رأسه في موضع الحرب، ومقام الخوف.

يعني: أن بعض الأئمة يحملون حديث: (من أحب أن يتمثل الناس أو الرجال له قياماً فليتبوأ مقعده من النار) على أن يكون الإنسان جالساً والناس قيام على رأسه، كالجنود والحراس ونحوهم، ويستثنون حالة الحرب والخوف؛ حتى يدخل الرعب في قلوب الأعداء، كما حصل في صلح الحديبية حينما كان يقف المغيرة بن شعبة رضي الله عنه قائماً على رأس رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه السيف، وعليه المغفر.

يقول النووي: هذا الذي قاله البغوي رحمه الله تعالى متفق عليه.

يعني: استثناء هذه الحالة، وهو أن يقف على رأس السلطان بالهيبة والسلاح إرهاباً للأعداء في حالة الخوف والحرب، والحديث مشهور في الصحيح.