وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: إن أحق ما طهر الرجل لسانه، وأي واحد منا إذا أصابت النجاسة ثيابه فإنه ينظفه ويطهره، فإذا اغتاب الناس فإن هذه النجاسة تكون في لسانه، فأي الأشياء أولى أن تطهر؟ لا شك أن اللسان أولى بالتطهير، ولذا قال ابن عمر رضي الله عنهما: إن أحق ما طهر الرجل لسانه.
بل إن بعض السلف كان إذا أراد التنفير من هذه المعصية أمر فاعلها بالطهارة الحقيقية، فيأمره بالمضمضة وبالوضوء تشبيهاً لها بالنجاسة الحسية، وإرشاداً إلى التحرز منها، كما يتحرز من النجاسات.
فعن أم المؤمنين عائشة رضي الله تعالى عنها قالت: يتوضأ أحدكم من الطعام الطيب، ولا يتوضأ من الكلمة الخبيثة يقولها؟ وهذه العبارة من أم المؤمنين تحتمل أكثر من معنى، فإذا كانت على حقيقتها فربما كانت تقصد الوضوء من أكل ما مسته النار قبل أن ينسخ، كأنها تقول لهم: أنتم تتوضئون من هذه الكلمة قبل أن ينسخ الوضوء ما مسته النار، وتحتمل الوضوء من أكل لحم الإبل، فكأنها تقول لهم: إذا توضأ أحدكم من الطعام الطيب الحلال سواء كان مما مسته النار قبل أن ينسخ أو من أكل لحم الإبل ولا يتوضأ من الكلمة الخبيثة يقولها، وهي أولى أنك تمضمض فمك بعدها.
فإذا ما ابتليت بالغيبة فهذا أولى من أن تتمضمض من أكل لحم الإبل أو غيره.
ومثله قول عبد الله بن مسعود رضي الله عنه:(لأن أتوضأ من كلمة خبيثة أحب إلي من أن أتوضأ من طعام طيب).
وعن إبراهيم قال: الوضوء من الحدث وأذى المسلم، أي: كما تتوضأ من الحدث توضأ من أذى المسلم.
ويحمل هنا الوضوء على غسل الفم وتطهير اللسان.
وعن محمد بن سيرين قال: كان رجل من الأنصار يمر بمجلس لهم فيقول: توضئوا فإن بعض ما تقولون شر من الحدث.
يعني: اغسلوا وطهروا ألسنتكم، فإن بعض ما تقولون من الغيبة والنميمة شر من الحدث ومن النجاسة.
وجاء حديث في هذا، لكنه مرسل وإن كان رجاله ثقات، أخرجه ابن سعد، وهو ما رواه معن عن هشام بن سعد عن زيد بن أسلم:(أن نبي الله صلى الله عليه وسلم في وجعه الذي توفي فيه، قالت صفية بنت حيي: والله يا نبي الله! لوددت أن الذي بك بي، فغمزها أزواجه) أي: أن ضرائرها غمز بعضهن لبعض أن انظرن صفية ماذا تقول للرسول عليه الصلاة والسلام: (فأبصرهن، فقال: مضمضن، فقلن: من أي شيء؟ قال: من تغامزكن بها، والله إنها لصادقة)، هنا الحديث مرسل في الحقيقة، وإذا صح ففيه إشارة أيضاً إلى موضوع المضمضة كما بينا.