قيل: إن أرجى آية في القرآن هي قوله سبحانه وتعالى: {وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى}[الضحى:٥] فروي: (أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزلت هذه الآية قال: إذاً لا أرضى وواحد من أمتي -يعني: من أمة الإجابة الذين دخلوا في دين الإسلام، واستجابوا لدعوته صلى الله عليه وسلم- في النار) وصح أيضاً في الحديث: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا أزال أشفع يوم القيامة فأشفع حتى يناديني ربي أقد رضيت يا محمد؟! فأقول: أي ربي رضيت) صلى الله عليه وآله وسلم.
ونظم بعضهم هذا المعنى فقال: قرأنا في الضحى ولسوف يعطي فسر قلوبنا ذاك العطاء وحاشا يا رسول الله ترضى وفينا من يعذب أو يساء وقال الآخر مخاطباً النبي صلى الله عليه وسلم: أترضى حبيبي أن تكون منعماً ونحن على جمر اللظى نتقلب ألم يرضك الرحمن في سورة الضحى وحاشاك أن ترضى وفينا معذب وقال بعض العلماء: إن حمل هذه الآية: (ولسوف يعطيك) على الشفاعة متعين، واستدلوا على ذلك بوجوه: الأول: أنه تعالى أمر نبيه صلى الله عليه وسلم في الدنيا بالاستغفار، فقال عز وجل:{وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ}[محمد:١٩] قوله: (واستغفروا) السين هذه سين الطلب، يعني: سؤال المغفرة عبارة عن طلب المغفرة، ومن طلب شيئاً فلا شك أنه لا يريد الرد ولا يرضى به.
إذاً: الاستغفار كلمة تفيد الطلب مثل الاستسقاء يعني: طلب السقيا، ومثل قوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا}[فصلت:٣٠] على القول بأنها تفيد الطلب، بمعنى: أنهم سألوا الله الاستقامة والثبات عليه، هذا أحد الوجوه في التفسير حتى كان الحسن إذا تلا هذه الآية قال: اللهم أنت ربنا فارزقنا الاستقامة.
فالمقصود بقوله:(واستغفر لذنبك والمؤمنين) يعني: سلني أن أغفر لأمتك، فكون الرسول عليه الصلاة والسلام يسأل الله شيئاً، فهو يحب هذا الشيء، وبالتالي يكره أن يرد، ولا يرضى أن يرد، إنما يرضى بالإجابة، وإذا ثبت أن الذي يرضاه الرسول صلى الله عليه وسلم لأمته هو الإجابة لا الرد، وقد دلت هذه الآية على أن الله سبحانه وتعالى يعطيه كل ما يرتضيه، علمنا أن هذه الآية دالة على الشفاعة في حق المذنبين.
إذا كان الرجل يقول في حق الذي هو مثله من البشر: لو لم ترد نيل ما أرجو وأطلبه من جود كفيك ما علمتني الطلبا يقول له: لو لم ترد، أي: لو لم تكن تحب أن تعطيني لما كنت تعلمني أن أطلب منك، فكيف يكون في حق الله عز وجل الذي علمنا أن ندعوه وضمن لنا الإجابة؟! أما الأحاديث الواردة في الشفاعة فكثيرة، وهي دالة على رضا الرسول صلى الله عليه وسلم في العفو عن المذنبين، وهذه الآية دلت على أنه تعالى يفعل كل ما يرضاه الرسول صلى الله عليه وسلم، فتحصل من مجموع الآية والحديث حصول الشفاعة.
وعن جعفر الصادق أنه قال: رضا جدي ألا يدخل النار موحد.
والحديث الذي صدرنا به الكلام يؤكد هذا المعنى، وهو قول الله عز وجل لجبريل:(اذهب إلى محمد فقل: إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك) لكن هناك تنبيه مهم جداً: وهو أن النبي عليه الصلاة والسلام لا يرضى الرضا الكامل إلا إذا وقعت شفاعته لجميع أمته كاملة، فهذا أمر يكون في المستقبل، فلا ينافي دخول بعض أمته النار ابتداءً، لكن يشفع النبي صلى الله عليه وسلم في أهل الكبائر من الموحدين، فالمقصود بالرضا أنهم لا يخلدون في النار.