[الحث على التزوج والإنجاب]
قال صلى الله عليه وآله وسلم: (وأهل النار خمسة)، فذكر منهم: (الضعيف الذي لا زبر له -أي: لا عقل له- الذين هم فيكم تبع لا يبغون أهلاً ولا مالاً) فهو ضعيف ليس له همة، ولا يريد أن يتحمل المسئولية، فكونهم لا يبغون أهلاً ولا مالا هذا ضعف منهم، كما جاء عن بعض السلف -ولعلّه عمر رضي الله عنه- أنه قال لبعض من لم يتزوج: (ما يمنعك من الزواج إلا عجز أو فجور).
فهو من أجل أن يحض الرجل على التزوج خاطبه بهذا الكلام.
وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (لو لم يبق للأجل إلا عشرة أيام أعلم أني أموت بعدها ولي طَول النكاح فيهن لتزوجت مخافة الفتنة).
وجاء عن أنس رضي الله عنه في حديث الرهط الثلاثة الذين أتوا بيوت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يسألون عن عبادته، فلما أُخبروا بها كأنهم تقالّوها، وقالوا: (وأينّا مثل رسول الله عليه الصلاة والسلام؛ فإنه قد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر، فقال أحدهم: أما أنا فأقوم ولا أنام، وقال الآخر: وأما أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الثالث: وأما أنا فلا أتزوج النساء، فبلغ ذلك النبي صلى الله عليه وآله وسلم، فغضب لهذه المقالات، وقال كلمته المشهورة: (إني أصوم وأفطر، وأقوم وأنام، وأتزوج النساء، فمن رغب عن سنتي فليس مني).
فانظر إلى الشدة مع غير أهل المعاصي، فإنه كان يعامل أهل المعاصي بلطف ورحمة وترفق، أما أهل البدع الذين يسنون طرقاً محدثة فكان ينكر عليهم عليه الصلاة والسلام أشد الإنكار.
وقال صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء).
وعن سعيد بن جبير رحمه الله قال: قالي لي ابن عباس رضي الله عنهما قبل أن يخرج وجهي -أي: قبل أن تنبت لحيته-: (هل تزوجت؟ فقلت: لا.
قال: تزوج؛ فإن خير هذه الأمة أكثرها نساء).
رواه البخاري.
فهذه المحاورة كانت في مقتبل عمره، وفي قول ابن عباس: (خير هذه الأمة) يحتمل أمرين: الأول: أنه يقصد خير إنسان في هذه الأمة، وهو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فإن النبي عليه الصلاة والسلام تزوج وأكثر من النساء، وكأنما قيّد بكلمة: (هذه الأمة) إشارة إلى أن هذا الظل يشمل سائر الأمة، حيث أبيح له عليه الصلاة والسلام أن يزيد على أربع، وقيد بهذا القيد: (خير هذه الأمة) لأن من الأمم السابقة من الأنبياء من تزوج أكثر من ذلك، كداود وسليمان عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام، كما جاء عن سليمان عليه السلام أنه قال: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو تسع وتسعين، كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله) فانظر إلى النية؛ وهذه الأمة أمة مجاهدة، خلقت لتطلب الموت كما يطلب أعداؤها الحياة، فهي أمة ينبغي أن تكون دائماً في حالة استنفار وفي حالة خروج إلى الجهاد في سبيل الله تبارك وتعالى، فقال: (لأطوفن الليلة على مائة امرأة أو على تسع وتسعين امرأة كل واحدة تأتي بفارس يجاهد في سبيل الله.
فقال له صاحبه: قل إن شاء الله.
فلم يقل: إن شاء الله، فلم تحمل منهن إلا امرأة واحدة جاءت بشق رجل، والذي نفس محمد بيده! لو قال: إن شاء الله لجاهدوا في سبيل الله فرساناً أجمعون) رواه البخاري.