وأما عجردة العمية فهي من المعدودات المشهورات من نساء السلف، فعن آمنة بنت يعلى بن طرير قالت: كانت عجردة العمية تغشانا، فتظل عندنا اليوم واليومين، فكانت إذا جاء الليل لبست ثيابها وتقنعت، ثم قامت إلى المحراب فلا تزال تصلي إلى السحر، ثم تجلس فتدعو حتى يطلع الفجر، فقلت لها -أو قال لها بعض أهل الدار-: لو نمت من الليل شيئاً! فبكت وقالت: ذكر الموت لا يدعني أنام، وكانت تحيي الليل، وكانت مكفوفة البصر، فإذا كان السحر نادت بصوت لها محزون: إليك قطع العابدون دجى الليالي يستبقون إلى رحمتك وفضل مغفرتك، فبك -يا إلهي- أسألك لا بغيرك أن تجعلني في أول زمرة السابقين، وأن ترفعني إليك في عليين في درجة المقربين، وأن تلحقني بعبادك الصالحين، فأنت أرحم الرحماء، وأعظم العظماء، وأكرم الكرماء يا كريم.
ثم تخر ساجدة، فيسمع لها شهيق، ثم لا تزال تدعو وتبكي إلى الفجر.