[حكم صلاة النساء في المساجد إذا خشيت الفتنة]
روى عروة عن عائشة أم المؤمنين رضي الله تعالى عنها قالت: (كن نساء بني إسرائيل يتخذن أرجلاً من خشب يتشرفن للرجال في المسجد، فحرم الله عليهن المساجد وسلطت عليهن الحيضة).
تبين عائشة أن نساء بني إسرائيل كن يصلين في المسجد مع الرجال، فإذا كان للمرأة خليل وتريد أن يعرفها وسط النساء تتخذ رجلين من خشب حتى تتطول لخليلها فيراها، فيتشرفن للرجال في المسجد عن طريق هذه الأحذية العالية، فحرم الله عليهن المساجد، وسلطت عليهن الحيضة.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: كان الرجال والنساء من بني إسرائيل يصلون جميعاً، فكانت المرأة إذا كان لها خليل، تلبس القالِبين أو القالَبين -بالفتح أو الكسر وهو نعل من خشب كالقبقاب -تطول بهما لخليلها؛ فألقى الله عليهن الحيض، فكان ابن مسعود يقول: أخرجوهن من حيث أخرجهن الله.
يعني: إذا سلك النساء المسلمات نفس هذا المسلك، فأخرجوهن من المساجد كما أخرج الله نساء بني إسرائيل من قبل.
وفي لفظ آخر: فأخروهن من حيث أخرهن الله.
يعني: باعدوا بينهن وبين الرجال.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها قالت -فيما روته عنها عمرة بنت عبد الرحمن -: لو رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أحدث النساء لمنعهن المسجد كما منعت نساء بني إسرائيل، قيل لـ عمرة: أومنعن؟ قالت: نعم.
أي أن نساء بني إسرائيل منعن لما أحدثن الزينة والتبرج داخل المساجد.
والنساء اللائي يحضرن عقود القران وبعض الاحتفالات في المساجد وهن في منتهى التبرج والتهتك؛ لا شك أن لهن نصيباً من مثل هذه الزواجر.
يقول الإمام الكرماني رحمه الله تعالى: فإن قلت: من أين علمت عائشة رضي الله تعالى عنها هذه الملازمة، والحكم بالمنع وعدمه ليس إلا لله تعالى، يعني: كيف تجزم عائشة بأن الرسول عليه الصلاة والسلام لو رأى ما أحدثته النساء من الزينة لمنعهن من المساجد كما منعت نساء بني إسرائيل؟ قلت: مما شاهدت من القواعد الدينية المقتضية لحسم مواد الفساد.
جاء في كتب بني إسرائيل -حتى الكتب التي لا زالت بين أيديهم مع تحريفها- ما يشير إلى وقوع هذا العقاب الذي أخبر عنه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فقد جاء في الإصحاح الثالث من سفر أشعيا: (إن الله سيعاقب بنات صهيون على تبرجهن والمباهاة برنين خلاخيلهن بأن ينزع عنهن زينة الخلاخيل والضفائر والحلق والأساور والبراقع والعصائب).
وفي هذا أن النقاب له أصل في التوراة والإنجيل، وأن النساء كن يتنقبن في الأمم السابقة، بدليل قوله: (والبراقع)، وإن كنا لا نحتاج لكتبهم؛ وإنما هذا كنوع من الشاهد يستأنس به.
وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بوقوع بعض نساء أمته في نفس هذه الكبيرة، وذكرهن بأسوأ مصير، فقد قال صلى الله عليه وسلم: (صنفان من أهل النار لم أرهما: قوم معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس، ونساء كاسيات عاريات مميلات مائلات، رءوسهن كأسنمة البخت المائلة، لا يدخلن الجنة ولا يجدن ريحها، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا)، فيريد النبي صلى الله عليه وسلم أن يبين أن مثل هؤلاء النساء بعيدات عن الجنة حتى لا يجدن ريح الجنة فضلاً عن أن يدخلنها.
وصفة هؤلاء النساء أنهن كاسيات عاريات، وفي العصور السابقة كان العلماء يختلفون في معنى (كاسيات عاريات)، أما في هذا الزمان فأصبحنا لا نحتاج لشرح الحديث مما نراه من تطبيق هذه الأحاديث حتى ممن يزعمن أنهن محجبات وهن عين المتبرجات المتهتكات الكاسيات العاريات.
وقوله: (مميلات مائلات رءوسهن كأسنمة البخت المائلة) هي نوع من الإبل لها سنام.