إن هذه الحقيقة الظاهرة الواضحة وضوح الشمس قد تغيب عن فريقين من الناس: الفريق الأول: غير المسلمين، وهم الذين لا يعرفون اللغة العربية على وجه الخصوص، وهؤلاء لا يكاد يتطرق إلى أذهانهم هذا المعنى العظيم الذي يعبر عنه بكلمة الإسلام، وصحيح أنهم يقولون في لغتهم عن الإسلام في الإنجليزية: إسلام، وفي الفرنسية: إسلام، في كل لغة يعبر عنه بالإسلام كأي عَلَم، فهم يقولون: إسلام كما نقول، ولكن لا يعرفون معنى كلمة إسلام، ونحن كذلك إذا أتينا بأي كلمة أجنبية من أي لغة أجنبية ونطقناها كما هي، فإننا ننطق الحروف كما نسمعها، ولكن لا نعرف معناها إذا لم نكن دارسين لهذه اللغة، فهذا الفريق ينطقون بهذه الكلمة ولا يفهمون منها ما نفهم نحن منها من الاستسلام والخضوع والإذعان لأمر الله، وذلك مع السلامة مما يخالف التوحيد من الشرك وغيره، فيجب علينا معشر المسلمين أن نشيع هذا اللفظ مقروناً ببيان معناه في لغتنا، بحيث يكون كلما ذكرت كلمة الإسلام فهم معناها في لغة العرب.
وأما الفريق الثاني: فهم غير المسلمين ممن يعرفون اللغة العربية، فهؤلاء إذا سمعوا قول الله تبارك وتعالى:{إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}[آل عمران:١٩]، وإذا سمعوا قوله عز وجل:{وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}[آل عمران:٨٥]، تنصرف أذهانهم إلى الإسلام الخاص الذي دعا إليه محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحسبون أن رسالة موسى التي يعبر عنها الآن بالموسوية، أو اليهودية، وأنّ رسالة عيسى التي يعبر عنها الآن بالمسيحية، لا تدخلان في عموم الإسلام المذكور في الآيتين السابقتين، فاليهود والنصارى إذا قلت لهم: قال الله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ}[آل عمران:١٩] فإنهم يتخيلون الإسلام ديناً آخر غير دين موسى وعيسى عليهما السلام.
وهذا غير صحيح، فإنهم إذا فهموا هذا المعنى الذي ذكرناه آنفاً لأدركوا أن هذا يشمل ما جاء به موسى وعيسى عليهما وعلى نبينا الصلاة والسلام.
ومما يؤسف له أشد الأسف أن هذه الحقيقة لم تغب عن الأعاجم الذين لا ينطقون العربية ولا يعرفونها فقط، ولا عن اليهود والنصارى الذين يعرفون اللغة العربية فقط، ولكن المصيبة الكبرى أن تغيب هذه الحقيقة العظمى المعلومة من الدين بالضرورة، بل هي ألف باء الإسلام، أن تغيب على كثير من المسلمين.
وإذا سألت كثيراً من الناس وخصوصاً العوام أو المنصرفين عن تعلم دينهم انصرافاً كلياً، أو كلمته في تكفير اليهود والنصارى فإنه يقول: لقد خلقنا الله كلّنا، وهذا المنطق منطق جاهلي ساذج جداً، وقد يستدلون على هذا المعنى الفاسد بآيات من القرآن.
فالمهم أن بعض الجهلة من المسلمين يحملون الآيتين السابقتين على الإسلام الخاص، ولا يفطنون إلى أن الأسلام هو دين جميع الأنبياء والمرسلين، وأنهم هم وأتباعهم أجمعون كانوا مسلمين.