[تعريف المراهقة وأقسامها]
أما من حيث اللغة، فيقال: رهقه أي: غشيه ولحق به، أو دنا منه سواء أخذه أم لم يأخذه، والرهق: السفه والنوك والخفة، وركوب الشر والظلم، وغشيان المحارم، وركوب المخاطر، والكذب والعجلة، وحمل الغير على ما يكره.
وهذه المعاني قد تجتمع في المراهق الذي تسوء تربيته أو يهمل إهمال البهائم، ويقال: راهق الغلام، أي: قارب الحلم، ويقال: دخل مكة مراهقاً، يعني: دخل مكة آخر الوقت حتى كاد يفوته التعريف، أي: الوقوف بعرفة، ويقال: أرهقه عسراً: كلفه إياه، ويقال: أرهق الصلاة: أخرها حتى تدنو من آخر الوقت.
أما في الاصطلاح فهو: المرحلة النمائية الثانية التي يمر بها الإنسان في حياته من الطفولة إلى الشيخوخة، وهي تتوسط بين الصبا والشباب، وتتميز بالنمو السريع في جميع اتجاهات النمو البدني والنفسي والعقلي والاجتماعي.
ووردت مادة رهق بمشتقاتها في القرآن الكريم في أربعة مواضع، منها قوله تعالى: {وَلا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلا ذِلَّةٌ} [يونس:٢٦] أي: لا يغشى وجوههم قتر ولا ذلة، في حين قال في الكافرين: {وَتَرْهَقُهُمْ ذِلَّةٌ} [يونس:٢٧].
وقوله تعالى: {وَأَنَّهُ كَانَ رِجَالٌ مِنَ الإِنسِ يَعُوذُونَ بِرِجَالٍ مِنَ الْجِنِّ فَزَادُوهُمْ رَهَقًا} [الجن:٦]، أي: ضلالاً وحيرة وقلقاً، {فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا} [الجن:١٣].
أما تعريف المراهقة عند علماء النفس؛ فهم يعتبرون المراهقة مثل الفاصل بين مرحلة ومرحلة، وفي نفس الوقت هي واصل بينهما؛ والمرحلتان هما الطفولة والرشد، فالمراهقة هي التدرج نحو النضج البدني والتناسلي والعقلي والانفعالي.
أما البلوغ فيقتصر على ناحية واحدة فقط من نواحي النمو، إذاً: البلوغ يعبر به عن نوع واحد فقط من أنواع النمو وهو النمو من حيث القدرة على التناسل عن طريق الغدد التناسلية، واكتساب معالم جديدة تنتقل بالطفل من فترة الطفولة إلى فترة الإنسان الراشد.
إذاً: البلوغ هو بداية المراهقة، ولا يعني النمو في كل مجالات النمو، وعلماء النفس يعتبرون أن المراهقة مرحلة ميلاد جديدة للإنسان، وهو الميلاد النفسي للإنسان عندما يحس بذاته، ويقع بين البلوغ والرشد كما ذكرنا.
وكون البلوغ هو بداية المراهقة وليس كل المراهقة أشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى: {وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ} [النساء:٦]، هذا هو البلوغ: {فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ} [النساء:٦].
ومما تجدر الإشارة إليه أنه فيما مضى كانت مرحلة المراهقة أقل مما هي عليه الآن، وذلك أن فترة المراهقة ليست من الأمور الثابتة، بل من الأمور المتفاوتة باختلاف الثقافات والبيئات والأفراد أنفسهم؛ فهناك فروق فردية سواء بين الذكور والإناث أو بين الذكور أنفسهم، وهناك تفاوت في البداية والنهاية كما سنبين، وفيما مضى كانت مرحلة المراهقة أقل؛ لأن التعليم الإلزامي كان ينتهي عند السنة الثانية عشرة مثلاً، وبعدها يدخل الشخص في دنيا العمل، والزواج قد يكون مبكراً جداً بالذات في البيئات الريفية، فقد يتزوج بعد سن ست عشرة سنة، ويستقل تماماً، أما الآن فامتدت فترة التعليم، وبالتالي امتدت فترة الطفولة من الناحية الاقتصادية، وليس هكذا فحسب، فقد تجد عند بعض الناس أنه لابد أن ينتهي من تعليمه ويدخل مهنته، ثم يتخصص فيها، فبالتالي امتدت هذه الفترة امتداداً كثيراً في المجتمعات المتحضرة، فامتدت فترة التعليم، وطالت فترة العزوبة، وتأخر سن الزواج، وبالتالي لا يستطيع الاستقلال عن أهله اقتصادياً واجتماعياً بسرعة، وبالتالي تمتد فترة المراهقة، فهي تبدأ من البلوغ إلى اكتمال نمو العظام حيث يستقر النمو العضوي عند الفرد، وذلك غالباً بين سن اثنتي عشرة إلى تسع عشرة سنة؛ تزيد أو تقل.
تنقسم المراهقة إلى ثلاث مراحل: المرحلة الأولى: المراهقة المبكرة: ويربطونها بالمرحلة التي هي من اثنتي عشرة سنة إلى أربع عشرة سنة، وهي فترة التعليم، ثم المرحلة الثانية: من خمس عشرة إلى ثماني عشرة، وهي المراهقة المتوسطة، وهذه تكون غالباً في التعليم الثانوي، ثم المرحلة الثالثة: وهي من ثماني عشرة إلى اثنتين وعشرين، وهي مرحلة التعليم الجامعي.
وكما أشرنا من قبل: إذا دخل الفرد مرحلة الشباب بعد سن العشرين دون أن تتم تربيته خلال مرحلتي الطفولة والمراهقة فقد فات الأوان، ويصبح المطلوب حينئذ العلاج وليس التربية، فلا نقول: تربية الشباب، ولكن: علاج الشباب؛ إنما كانت تربية في المراحل التي هي قبل سن العشرين.
فالتربية وقاية من الآفات، والعلاج يواجه الآفات ويحاول رفعها، ولا شك أن العلاج أشق من التربية؛ لماذا؟ لأن الشباب قد بلغ الأشد وبلوغ الأشد يتطلب الشعور بالذاتية، والشعور بالذاتية هو ما يشقى به الكثير من الآباء والأمهات والمجتمع؛ لأن الذاتية حين تحب أن تستقل قبل استكمال عناصر الاستقلال فذلك هو الفساد، يظل الواحد منا يوجه وليده إلى أن يبلغ سناً معينة، ثم يسمع منه معارضة لرأيه، فهل هذا الصغير مأمون على الذاتية، لو أنه أدب في مرحلة التأديب وربي لكان مأموناً على الذاتية، لكن إذا فات الأوان على المرحلة الأولى التي هي التربية، والمرحلة الثانية التي هي التأديب، وأعطيت له الذاتية، فإنه يحصل الفساد الكبير.
والتربية التي يقصدها الإسلام هي أن يتعهد المربى تعهداً يبلغه الكمال المهيأ له، فالمربى تستقبله بيئاته لكنه يحتاج إلى المربي، فهو الذي ينقل له القضايا التي تشكل خميرة سلوكه في الحياة.