[اهتمام الصحابة بالأمر برفع الإزار وعدم إسباله]
عن زيد بن أسلم قال: أرسلني أبي إلى ابن عمر رضي الله عنهما فقلت: أأدخل؟ فعرف صوتي، فقال: أي بني إذا أتيت إلى قوم (فقل: السلام عليكم، فإذا ردوا عليك فقل: أأدخل، ثم رأى ابنه وقد انجر إزاره، فقال: ارفع إزارك فقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من جر ثوبه من الخيلاء لم ينظر الله إليه)، ولم يسأله عن نيته في إسباله، فدلّ هذا على أن جرّ الإزار في ذاته هو من الخيلاء، حتى لو لم يقصد صاحبه ذلك.
وعن محمد بن زياد قال: سمعت أبا هريرة رضي الله عنه، ورأى رجلاً يجر إزاره وكان أبو هريرة في ذلك الوقت أميراً على البحرين، فعندما رأى هذا الرجل يجر إزاره -جعل أبو هريرة يضرب الأرض برجله وهو يقول: جاء الأمير جاء الأمير.
وكان أبو هريرة رضي الله عنه فيه شيء من المزاح الصادق، فكأنه يريد أن يقول: أنا الأمير هنا، فاستمع لما يقول لك الأمير، وليس بقصد التكبر والفخر، بل كان عرف أبي هريرة أن يمزح المزاح اللطيف، فجعل أبو هريرة يضرب الأرض وهو يقول: جاء الأمير جاء الأمير، يعني: نفسه، ثم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا ينظر إلى من يجر إزاره بطراً)، أي: تكبراً وطغياناً.
وعن عمرو بن ميمون أنه حكى قصة مقتل عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وفي آخر القصة قال: دخل شاب على عمر رضي الله عنه، فلما أدبر الشاب إذا إزاره يمس الأرض، قال عمر: ردّوا علي الغلام -مع أن عمر يحتضر ويلفظ أنفاسه الأخيرة- فردوه عليه، قال: يا ابن أخي! ارفع ثوبك فإنه أبقى لثوبك وأتقى لربك.
قوله: (أبقى لثوبك) أي: أنه يتلف عندما يحتك بالأرض كثيراً، وقوله: (أنقى) أي: أنظف؛ فإنه إذا لم يُسبل لا تصيبه الأقذار أو النجاسات، وقوله: (وأتقى لربك) لأن الله يحرم هذا الإسبال.
فتأمل كيف أن عمر رضي الله عنه وهو في أعظم اللحظات لحظة الاحتضار ومفارقة الدنيا إلى الآخرة، ومع ذلك لم يتهاون في هذا الأمر.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أنه رأى أعرابياً يصلي وقد أسبل، فقال: المسبل في الصلاة ليس من الله في حل ولا حرام، ولم يقيّد.
يقول القاضي أبو بكر بن العربي رحمه الله تعالى: لا يجوز للرجل أن يجاوز بثوبه كعبه، ويقول: لا أجُرُّه خيلاء؛ لأن النهي قد تناوله لفظاً، ولا يجوز لمن تناوله لفظاً أن يخالفه إذ صار حكمه أن يقول: لا أمتثله؛ لأن تلك العلة ليست فيّ؛ فإنه دعوى غير مُسلّمة، بل إطالة ذيله دالة على كبره.
والحقيقة أن الإنسان لو قصّر ثيابه فإنه يشعر بالتواضع فعلاً، وإذا أطالها في الغالب فإنها تكون سبباً وعلامة من علامات التكبر، لكن التواضع عند تقصير الثياب أمر يُحسّه الإنسان من نفسه إذا فعل ذلك.