للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أنواع البيوع، مع بيان صورة بيع التقسيط]

سنعتمد في تلخيص هذا البحث إن شاء الله تعالى على بعض البحوث أهمها: بحث الدكتور محمد عقلة الإبراهيم: (حكم بيع التقسيط في الشريعة والقانون)، وليس لنا شأن بالقانون، ولا يهمنا منه شيء، والبحث الآخر للدكتور رفيق يونس المصري وهو: (بيع التقسيط تحليل فقهي واقتصادي)، وهناك أيضاً رسالة اسمها (القول الفصل) لفضيلة الشيخ عبد الرحمن عبد الخالق حفظه الله! وهناك مراجع أخرى تمس هذا الموضوع.

ولا شك أنّ الناس قد عرفوا كثيراً من أنواع البيوع في الماضي، ومنها ما يعرف ببيوع الأجل، وسنفصل الكلام فيها: معنى بيوع الأجل: أن يكون أحد العوضين إما المال أو السلعة مؤخراً عن مجلس العقد، وبما أن الإسلام هو دين اليسر، ودين السماحة، ورفع الحرج، رأى أن الحاجة تمس إلى وجود استثناء في القاعدة العامة، وصولاً للغاية المثلى، فأجاز الإسلام تأخير المثمن أو الثمن عن مجلس العقد، والثمن هو الذي يقسط ويؤجل، وقد يكون تأخيره دفعة واحدة، وإذا قسَّط فهو المسمى بيع التقسيط.

وقد شاع هذا النوع في زماننا شيوعاً كثيراً، وشمل من حيث السلع دقيقها وجليلها؛ لما في هذا النوع من البيوع من مصالح لكل من البائع والمشتري، ولما كان تأجيل الثمن عن زمان العقد يرافقه زيادة في الثمن تعويضاً للبائع عن تأخير قبضه، وحرمانه من استثماره، فإسهاماً من المشتري في تخفيف هذه الآثار مع ما له من نعمة توفير الحصول على ما يحتاجه من السلعة رغم ضيق يده؛ زاده في الثمن.

ولا يزال هذا النوع من البيع مثار بحث وجدل بين أهل العلم من حيث مشروعيته، نظراً لما فيه من الزيادة في الثمن، فربما اشتبهت صورته على بعض الناس بالربا، وصورة هذا البيع: أن يقول البائع: أبيع لك هذه السلعة عاجلاً بكذا، وآجلاً بزمن كذا، بزيادة مقدارها كذا، فلا شك أن الحاجة تمس إلى ذلك، فهنا نفرد هذه المسألة بمثل هذا البحث، ونفصل الكلام فيها؛ حتى نكون على بينة من أمرنا، خاصة وأن الأسئلة قد كثرت جداً حول هذا الموضوع، وكانت الأجوبة المختصرة لا تقنع كثيراً من الإخوة، فنقف هذه الوقفة مع هذه المسألة.

لابد من مقدمة تتعلق بأنواع البيوع، فالبيع على ثلاثة أنواع: بيع معجَّل البدلَين، أي: الفلوس والسلعة، وهو البيع المعروف الذي يحصل في الأسواق، فتدفع الفلوس في الحال وتستلم السلعة في الحال، فهذا هو أول نوع من أنواع البيوع.

النوع الثاني: بيع مؤجل البدلين، أي: أن الفلوس والسلعة مؤجلان، وهذا هو بيع الكالئ بالكالئ.

النوع الثالث -وهذا الذي يتعلق ببحثنا اليوم- وهو: بيع يكون فيه أحد البدلين معجلاً والآخر مؤجلاً، وهذا النوع من البيع جائز أباحته الشريعة.

وقولنا: إن أحد البدلين معجّل والآخر مؤجل يحتمل أن يكون الثمن معجلاً والسلعة مؤجلة، وهذا يسمى بيع السلَم أو السلَف، وهذا البيع مستثنى من القاعدة الأصلية التي جاءت في حديث: (ولا تبع ما ليس عندك) فهو استثناء من عموم هذا الحديث بالنص، وقد ثبت أن أهل المدينة كانوا يُسلفون في بعض هذه السلع، ويحتمل هذا النوع أن يكون المعجل هو المبيع والمؤجل هو الثمن.

إذاً: أنواع البيوع ثلاثة: الأول: معجل البدلين.

الثاني: مؤجل البدلين، وهو بيع الكالئ بالكالئ، وهو منهي عنه.

الثالث: أن يكون أحدهما معجلاً والآخر مؤجلاً، وهذا على صورتين: إما أن يعجل الثمن ويؤجل المبيع، وهو بيع السلَم أو السلف، أو أن يعجل المبيع ويؤجل الثمن، وهو بيع النسيئة، والنسيء هو التأجيل.

وبيع النسيئة وإن أجازته النصوص إلا أنه ليست هناك نصوص تجيز الزيادة لأجل التأجيل أو التقسيط، بل هذا يحتاج إلى بحث واستظهار، وهذا هو موضوعنا الذي نتكلم فيه.

وبيع النسيئة في حد ذاته جائز، والدليل على ذلك ما رواه الشيخان وغيرهما: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم اشترى من يهودي طعاماً -وفي رواية: شعيراً- إلى أجل، وفي رواية: اشترى من يهودي طعاماً أو شعيراً بنسيئة، ورهنه درعاً له من حديد).

فقد اشترى الشعير ولم يدفع له الثمن حالاً، وإنما سيدفعه فيما بعد، ووضعه للدرع حتى يسدد الدين هو رهن للضمان فقط، فهذا البيع جائز سواء كان مع المسلمين أو اليهود أو من سواهم، فهذا مثل بيع السلَم أو السلَف، يقول عليه الصلاة والسلام: (من أسلف في شيء فليسلف في شيء معلوم بكيل معلوم، إلى أجل معلوم).

متفق عليه.

فبيع النسيئة أو الأجل يكون مع الزيادة، ويكون الثمن فيه مؤجلاً، وأما بيع التقسيط فقد يكون مع الزيادة، وقد يكون بدون زيادة، وإنما يقسط عليه الثمن الأصلي، ثم بيع التقسيط يشابه بيع الأجل في أن المال غير مدفوع حالاً، ويخالفه في أنه مقسط على مراحل وليس مؤخراً كلياً.

إذاً: بين بيع الأجل وبيع التقسيط عموم وخصوص.

خلاصة الكلام: أن بيع النسيئة -وإن كانت النصوص قد أجازته- ليس فيه نصوص تجيز الزيادة لأجل التأجيل أو التقسيط، فبيع التقسيط ليس فيه دفع النقود حالاً بل تؤجل؛ لذلك يزاد في السعر من أجل الأجل، وهذا ما سنتكلم فيه إن شاء الله تعالى.

بيع التقسيط هو عبارة عن حادثة لمعاملة قديمة، وهو لون من ألوان بيع النسيئة، حيث يعجَّل فيه المبيع، ويتأجل فيه الثمن كله، أو يقسط على أقساط معلومة، لآجال معلومة، وهذه الأقساط قد تكون منتظمة سنوياً مثلاً، أو تكون غير منتظمة، وقد تكون متساوية المبالغ، أو غير متساوية.

والأقساط: جمع قسط، والقسط لغة: هو الحصة والنصيب، تقول: تقسّطنا المال بيننا، أي: أخذ كل منا نصيبه من هذا المال، والقِسط: هو العدل، تقول: أقسط الرجل فهو مقسط، أي: عادل.

والعلاقة بين المعنيين، أعني: القسط بمعنى الحصة والنصيب، والقسط بمعنى العدل: أن النصيب الذي يعطى لكل واحد يفترض أن يكون عادلاً بوجه من الوجوه، ومن ذلك أيضاً قول الفقهاء: إن للزمن قسطاً من الثمن، أي: إن للزمن حصة عاجلة من الثمن، والقاسط العادل عن العدل، أي: الذي ينحرف عن العدل، أو هو الفعل، وأما المقسط فهو العادل، والقسطاس في اللغة: هو الميزان.

وليس المراد ببيع التقسيط أن يقسط المبيع، ولكن التقسيط يكون في طريقة سداد ثمن المبيع.