[أصناف الناس في الرؤى المنحرفة وحكم كل صنف]
الناس ينقسمون إلى طائفتين في الرؤى: صنف تكون رؤياه تلاعباً شيطانياً، فإذا بهذه الرؤيا الشيطانية تفسر تفسيراً خاصاً؛ لتوافق مخططاً يراد تنفيذه في واقع الحياة من قبل زعماء الكفر ودهاقنة الباطل، الذين يلعبون بمقدرات الأمم، فتجدهم يفسرون هذه الأحلام بهذه التفسيرات التي تخدم مصالحهم، لتبدو وكأنها قدر إلهي لا يجوز مغالبته ولا منازعته.
الصنف الآخر هم الذين لا يرون في المنام شيئاً، ولكنهم يزعمون أنهم رأوا رؤية وتكون هذه الرؤية في العادة محبوكة حبكاً محكماً، وتذاع بين الناس بتفسيراتها، ويتعمد إشاعتها في الناس، ثم يجتهد هؤلاء في تنفيذ مخططاتهم المدمرة فتأتي وفق الرؤيا المزعومة، وما هي برؤية وإنما هي جزء من المؤامرة للتغرير بالبسطاء الذين لم يبلغ فهمهم إلى معرفة شياطين الإنس والجن.
يقول الدكتور الأشقر في كتابه (جولة في رياض العلماء): وسأضرب على هذا مثالين قد يكون أصحابهم من الصنف الأول أو الثاني، نشرت جريدة السياسة الكويتية بتاريخ (١٢يناير ٨٠م) أن حسن التهامي زعم أنه رأى الرسول صلى الله عليه وسلم في الحلم، وأن الرسول صلى الله عليه وسلم أمره بأن يسعى للصلح بين العرب واليهود.
وحسبنا أن نعلم أن حسن التهامي كان في ذلك الوقت الذي زعم هذا الزعم نائباً للسادات ومستشاراً له، وكان يمهد للسفرة المشئومة التي قام بها السادات إلى القدس، لتكون بداية رحلة الذل والهوان التي أدت إلى ما أدت إليه من مآس، وحسبنا أيضاً أن نعلم أن التهامي هو الذي تفاوض مع ديان ليمهد الطريق أمام سفر السادات كما ذكرت ذلك جريدة السياسة في عددها بتاريخ (١٦يناير ٨٠م).
إذاً رؤية التهامي المزعومة هذه ثم استغلالها استغلالاً سيئاً وهي اختلاق لا أساس له من الصحة، قصد بها تحقيق أمرٍ يسعى هو وآخرون إلى تحقيقه، وحسبنا أن نعلم أن هذه الرؤية لو كانت حقاً لكانت موافقةً لتعاليم الإسلام لا مخالفةً لها.
الحادثة الثانية: هي التي رآها ثلاثة من كبار الحاخامات اليهود المعروفين بعلمهم في التصوف اليهودي، رأوا في المنام في ليلة واحدة أن آخر معركة عظيمة على الأرض ستنشب في إبريل من هذا العام، وهي التي ستبشر ببداية العصر الألفي الذي سيملك فيه المسيح الأرض.
وأنا أعجب أين السلفية المزعومة من بعض الناس؟ نجد أن الواحد منهم يكتب ويقول: في سنة ٩٨م سيحصل كذا، وستحصل حرب جديدة مع كذا، والأمريكان يقولون: في ٩٧م سيحصل كذا وكذا، ويرتبون على ذلك أشياء غريبة جداً، وهناك سلاسل من الكتب كثيرة جداً الآن تتناول هذا الموضوع، كتاب اسمه (الزلزال العظيم)، وكتاب (الحرب العالمية الثالثة) ظهر بعد حرب الخليج مباشرةً، وكتاب (عُمر الأمة المحمدية)، وهذا كتاب حديث جداً، وغير ذلك من الكتب، وآخر يقول لك: إن المسيح الدجال يغزو العالم من مثلث برمودا.
ننتقل إلى موضوع قتال اليهود في ملحمة مع المسلمين، نحن لا ننكر ذلك، لكن الجديد في الأمر أنهم الآن يطبقونه على الواقع، مع أنها مجرد منامات، فنحن لا نأمن أن تكون هذه من الإسرائيليات التي يبثها اليهود من أجل تحقيق أهدافهم وأغراضهم، فيشيعون هذه الأشياء لإلقاء الرعب في نفوس المسلمين وإحباطهم.
فما ينبغي أبداً أن ننقل مثل هذا الكلام، أين نحن من قوله تبارك وتعالى: {وَلا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} [الإسراء:٣٦]؟ غاية ما عندهم إما الرؤى المنامية وإما الإسرائيليات المأخوذة من كتب اليهود والنصارى، مثل: يوحنا ورؤيا دانيال فتراهم يأتون من الأناجيل ومن التوراة نصوصاً تضبط الوقت بالسنة والشهر واليوم، وتحدد متى ستحصل هذه الأحداث.
أما آن لنا أن ننضبط؟! إلى متى سنضيع وقتنا بهذه الطريقة؟! كثرت الكتب التي تكتب في هذا، وأصحابها لا يعتمدون إلا على أحد هذين الأمرين: إما المنامات وإما الإسرائيليات، فهم يعتمدون على ما في كتب اليهود والنصارى، ويحلون كلامهم أحيانا ً -كنوع من ذر الرماد في العيون- بقول الرسول صلى الله عليه وسلم: (حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج) صحيح حدثوا عن بني إسرائيل ولا حرج، لكن ليس في مثل هذه الفتن، وفي مثل هذه الأشياء التي فيها قطع وجزم بحصول أشياء من الغيب.
الإسرائيليات ثلاثة أنواع: ما وافق الحق قبلناه، وما خالفه رفضناه، وما لم نعرف موافقته ولا مخالفته فإننا نمسك عنه احتياطاً؛ لئلا نكذب بحق إن كذبنا به، ولا نصدق بباطل إن صدقنا به، هذا هو الموقف الصحيح من الإسرائيليات باختصار، فلا يجوز أن نأتي بهذه الحكايات التي تزيد من إضعاف نفوس المسلمين، كأن نقول: اليهود سيفعلون كذا وكذا.
أكبر مشكلة أن هؤلاء الكتاب يأتون بأحاديث آخر الزمان ويحاولون أن يطبقوها على شخص بعينه، وهذا هو الخطأ؛ لأن أحاديث آخر الزمان القاعدة فيها أن نؤمن بها ونصدق بها ولا ننزلها أبداً على الواقع إلا بعد ما تحدث، يقول عز وجل: {هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} [الأحزاب:٢٢] لكن قبل ذلك ليس من حقنا أن نرتب الأمور ونضع الخطط على أساس أن الذي سيحصل هو كذا وكذا.
وبسبب عدم إحسان هذه القاعدة أثناء حرب العراق والكويت (حرب الخليج) كادوا أن يقطعوا بأن هذه هي الملحمة التي أخبر بها النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وقد تكون إرهاصات وقد لا تكون، نحن لا ندري متى سيقع ما أخبر به النبي عليه الصلاة والسلام، أما أن نوافق هؤلاء القوم وما يشيعونه من أنه في سنة كذا ستحصل حرب، وتظهر الأمة الإسلامية كالريشة في مهب الريح، لا إرادة لها على الإطلاق، وكل القوة وكل القرارات هي في يد أعدائهم من اليهود، صحيح أن الأمة في حال من الاستضعاف والإذلال والقهر على يد أولياء اليهود وعلى يد اليهود، لكن الأمة لن تخلو من خير إن شاء الله كما قال النبي عليه الصلاة والسلام: (مثل أمتي مثل المطر لا يدرى أوله خير أم آخره) فالله سبحانه وتعالى لن يضيع عباده المؤمنين، لابد أن نقوي اليقين في قلوبنا بنصر الله سبحانه وتعالى، وأن المستقبل قطعاً للإسلام، أما أن نكرر ما يقوله اليهود والنصارى، ونحطم من معنويات المسلمين بهذه الطريقة، فهذا يتنافى الإسلام.
يقول الحاخامات اليهود: إنهم رأوا في المنام في ليلة واحدة أن آخر معركة عظيمة على الأرض ستنشب في إبريل من هذا العام، وهي التي ستبشر ببداية العصر الألفي السعيد الذي سيملك فيه المسيح الأرض.
وقالت بعض التقارير: إن الحاخامات رأوا في منامهم أن المعركة بين يأجوج ومأجوج تعجل في وقوع المذبحة النووية بين القوتين الكبريين.
وقالت تقارير أخرى عن هؤلاء: إن المسيح سيصل بطريقة سلمية، ويستشهد أحبار اليهود بالعلاقات التي تدل على قرب وصول المسيح، والتي ظهرت في العام المنصرم، وقالوا: إن وقع خطا المسيح كان مسموعاً في العام الماضي.
هذا هو مضمون الخبر، كما تعلمون أن الأحداث التي تحصل الآن قد يكون لها علاقة وقد تكون إرهاصات وقد لا تكون، لكن الأوضاع العامة هي أوضاع غير طبيعية كما تلاحظون، إن الأوضاع التي نحن فيها الآن موضوع التحالفات من الحلف الأطلسي مع مصر وإسرائيل والأردن والمغرب وتونس، والتحالف العسكري، وكثير من الأشياء قد تكون إرهاصات وقد لا تكون، والله سبحانه وتعالى هو الذي يعلم ما يكون في غدٍِ.
إننا نؤمن بالنصوص، لكن تنزيلها على الواقع لا نقطع به إلا بعد أن تقع، أما قبل ذلك فلا، فعلينا أن ننظر إلى ما يلزمنا الشرع به في كل ظرف وفي كل موقف.