إذا قلنا: إن وطن المسلم أو وطن المسلم هي عقيدته، وجنسيته هي دين الإسلام، فما علاقة الهوية الإسلامية بالوطنية القومية؟ وهل هي علاقة تعارف؟ نقول: إن الهوية الإسلامية ابتداءً لا تعارض الشعور الفطري بحب الوطن الذي ينتمي إليه المسلم، ولا تعارض حب الخير لهذا الوطن، بل في الحقيقة إن المسلمين الصادقين هم أصدق الناس وطنيةً، وهم أنفع الناس لوطنهم؛ لأنهم يريدون لوطنهم سعادة الدنيا والآخرة، وذلك بتطبيق الإسلام وتبني عقيدته؛ لإنقاذ مواطنيهم من النار، كما قال مؤمن آل فرعون:{يَا قَوْمِ لَكُمُ الْمُلْكُ الْيَوْمَ ظَاهِرِينَ فِي الأَرْضِ}[غافر:٢٩] وأدخل نفسه في جملة القوم، قال:{فَمَنْ يَنصُرُنَا مِنْ بَأْسِ اللَّهِ إِنْ جَاءَنَا}[غافر:٢٩].
أيضاً هؤلاء هم الذين يدأبون ويجتهدون في حماية أمتهم من التبعية لأعدائهم الذين يكيدون لأوطانهم، وقد تجلى هذا المفهوم واضحاً في قصة مؤمن آل فرعون المذكورة في سورة (غافر)، ويتجلى ذلك في كل مواقف وجهاد رموز الدعوة الإسلامية في كافة البلاد الإسلامية.
والوطن الحقيقي في مفهوم الهوية الإسلامية هو الجنة؛ لأن هذا هو الوطن الأصلي للمؤمنين؛ حيث كان فيه أبونا آدم عليه السلام.
ونحن في الدنيا في حالة نفي عن الوطن، وفي معسكر اعتقال عدونا الشيطان، فنحن في حالة نفي عن ذلك الوطن الحقيقي، ونحن في هذا المنفى ساعون في العودة إلى هذا الوطن، والمنهج الإسلامي والهوية الإسلامية هي الخريطة التي ترسم لنا طريق العودة إلى الوطن الأم، وهذا المعنى عبر عنه الإمام المحقق ابن القيم الجوزية رحمه الله تعالى بقوله: فحيَّ على جنات عدنٍ فإنها منازلنا الأولى وفيها المخيم ولكننا سبي العدو فهل ترى نعود إلى أوطاننا ونسلم فالجنة هي دار السعادة التي لا يبغي أهلها عنها حولاً، لا كما قال من سفه نفسه: وطني لو سئلت بالخلد عنه نزعتني إليه في الخلد نفسي أما في الدنيا فأيضاً الهوية الإسلامية تتحكم حتى في قلوبنا وفي عواطفنا، فنحن نحب جميع الأنبياء، ثم هناك مكانة خاصة للرسل، وأولهم أولو العزم من الرسل، وأفضلهم أشرف المرسلين وهو رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم بعد الأنبياء الأولياء، وأعظم الأولياء على الإطلاق الصحابة، وأعظم الصحابة على الإطلاق أبو بكر رضي الله عنه، ويليه عمر.
إن السمع والبصر والفؤاد والعواطف والحب كل ذلك ليس متروكاً لاختيارك، بل الهوية الإسلامية تحدد بقعة المحبة لكل شخص في قلبك، وأوليات هذه المحبة، وترتيب ذلك.
وكذلك بالنسبة للأوطان، فأحب الأرض إلى المؤمن في هذه الدنيا هي أولاً مكة المكرمة، ثم المدينة النبوية، ثم بيت المقدس، وقد بين النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن محبته مكة المكرمة مبنية على أنها أحب بلاد الله إلى الله، وبعض الناس الذين يتبنون المفهوم الوثني للوطنية يحاولون أن يستدلوا بالحديث على ما يدعون إليه، حيث يحاولون أن يغذوا مفهوم الوطنية الوثنية بالحديث، ويقولون هذا دليل على حب الوطن، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم حنَّ إلى مكة وقال:(لولا أن قومكِ أخرجوني منكِ ما خرجت).
وهذا ليس دليلاً على حب الوطن، وإنما هو دليل على حب مكة؛ لأن مكة أحب بلاد الله إلى الله، فلذلك كل مسلم يحب مكة المكرمة قبل أي مكان آخر على وجه الأرض، وكذلك المدينة النبوية الطيبة، وكذلك بيت المقدس الذي بارك الله حوله؛ فمحبتنا لهذه البقاع التي اختارها الله وباركها وأحبها فوق محبتنا لمسقط رءوسنا، ومحضر الطفولة، ومرتع الشباب.
أما ما عدا هذه البلاد المقدسة فإن الإسلام هو وطننا، وهو أهلنا، وهو عشيرتنا؛ وحيث تكون شريعة الإسلام حاكمة وكلمة الله ظاهرة فثمَّ وطننا الحبيب الذي نفديه بالنفس والنفيس، ونذود عنه بالدم والولد والمال، يقول الشاعر: ولست أدري سوى الإسلام لي وطناً الشام فيه ووادي النيل سيان وحيثما ذكر اسم الله في بلد عددت أرجاءه من لب أوطاني