[كلام العلامة الشيخ أحمد شاكر رحمه الله تعالى في التماثيل]
وهنا أسوق كلام فخر الديار المصرية العلامة أبي الأشبال أحمد شاكر رحمه الله تعالى، فله كلام كأنه يعيش معنا في هذه الأيام، وله كلام في تعليقه على مسند الإمام أحمد.
وانظر إلى روح الكلام والحمية والغيرة من عالم جليل، هو من أعظم علماء مصر، وهو من أعظم علماء الأزهر، وعالم جليل في مستوى الشيخ أحمد شاكر رحمه الله نفاخر به الدنيا.
يقول: وفي عصرنا هذا كنا نسمع عن أناس كبار ينسبون إلى العلم ممن لم ندرك أن نسمع منهم أنهم يذهبون إلى جواز التصوير كله -بما فيه التماثيل الملعونة- تقرباً إلى السادة الذين يريدون أن يقيموا التماثيل تذكاراً لآبائهم المفسدين، وأنصارهم العتاة أو المنافقين، ثم تقرباً إلى العقائد الوثنية الأوروبية التي ضُربت على مصر وعلى بلاد الإسلام من أعداء الإسلام الغاصبين، وتبعهم في ذلك المقلدون والدهماء أتباع كل ناعق، حتى امتلأت بلاد المسلمين بمظاهر الوثنية السافرة من بناء الأوثان والأنصاب وتعظيمها وتبجيلها بوضع الأزاهير والرياحين عليها والتقدم بين يديها بمظاهر الوثنية الكاملة، حتى بوضع النيران أحياناً عندها، وكان من حجة أولئك الذين شرعوا لهم هذا المنكر أول الأمر أن تأولوا النصوص بربطها بعلة لم يذكرها الشارع، ولم يجعلها مناط التحريم، هي -فيما بلغنا- أن التحريم إنما كان أول الأمر لقرب عهد الناس بالوثنية، أما الآن وقد مضى على ذلك دهر طويل فقد ذهبت علة التحريم، ولا يخشى على الناس أن يعودوا لعبادة الأوثان.
ونسي هؤلاء ما هو بين أيديهم من مظاهر الوثنية الحقة بالتقرب إلى القبور وأصحابها، واللجوء إليها عند الكروب والشدائد، وأن الوثنية عادت إلى التغلغل في القلوب دون أن يشعر أصحابها، بل نسوا نصوص الأحاديث الصريحة في التحريم وعلة التحريم، وكنا نعجب لهذا التفكير العقيم والاجتهاد الملتوي، وكنا نظنهم اخترعوا معنى لم يسبقوا إليه وإن كان باطلاً ظاهراً بطلانه، حتى كشفنا بعد ذلك أنهم كانوا في باطلهم مقلدين، وفي اجتهادهم واستنباطهم سابقين، فرأينا الإمام الحافظ الحجة ابن دقيق العيد رحمه الله المتوفى سنة (٧٠٢هـ) يحكي مثل قولهم، ويرده أبلغ رد وبأقوى حجة في كتابه (إحكام الأحكام شرح عمدة الأحكام) الجزء الأول، (ص:٩٥٩ - ٩٦٠) بتحقيق الأخ الشيخ حامد الفقي ومراجعتنا.
وفي شرح حديث عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أولئك إذا مات فيهم الرجل الصالح بنوا على قبره مسجداً ثم صوروا فيه تلك الصور، أولئك شرار الخلق عند الله).
فقال ابن دقيق العيد: وقد تظاهرت دلائل الشريعة على المنع من التصوير والصور، ولقد أبعد غاية البعد من قال: إن ذلك محمول على الكراهة، وإن هذا التشديد كان في ذلك الزمان لقرب العهد من الأوثان، وهذا الزمان حيث انتشر الإسلام وتمهدت قواعده لا يساويه في هذا المعنى، وهذا عندنا باطل قطعاً؛ لأنه قد ورد في الأحاديث الإخبار عن أمر الآخرة بعذاب المصورين، فإنهم يقال لهم: أحيوا ما خلقتم.
وهذه علة مخالفة لما قاله هذا القائل، وقد صرح بذلك في قوله صلى الله عليه وسلم: (المشبهون بخلق الله) وهذه علة عامة مستقلة مناسبة لا تخص زماناً دون زمان، وليس لنا أن نتصرف في النصوص المتظاهرة المتضافرة بمعنى خيالي يمكن أن لا يكون هو المراد مع اقتضاء اللفظ التعليل بغيره وهو التشبه بخلق الله.
ثم قال الشيخ أحمد شاكر معقباً على كلام ابن دقيق العيد: هذا ما قال ابن دقيق العيد منذ أكثر من سبعين وستمائة سنة يرد على قوم تلاعبوا بهذه النصوص في عصره أو قبل عصره، ثم يأتي هؤلاء المفتون المضللون وأتباعهم المقلدون أو الملحدون الهدامون يعيدونها جذعة ويلعبون بنصوص الأحاديث كما لعب أولئكم من قبل، ثم كان من أثر هذه الفتاوى الجاهلية أن ملئت بلادنا بمظاهر الوثنية كاملة، فنصبت التماثيل وملئت بها البلاد تكريماً لذكرى من نسبت إليه وتعظيما، ثم يقولون لنا: إنها لم يقصد بها التعظيم، ثم ازدادوا كفراً ووثنية فصنعوا الأنصاب ورفعوها تكريماً لمن صنعت لذكراهم، وليست الأنصاب مما يدخل في التصوير حتى يصلح لهم تأويلهم، إنما هي وثنية كاملة صرف نهى الله عنها في كتابه بالنص الصريح الذي لا يحتمل التأويل.
وكان من أثر هذه الفتاوى الجاهلية أن صنعت الدولة -وهي تزعم أنها دولة إسلامية في أمة إسلامية- ما سمته مدرسة الفنون الجميلة.
وهي في العهد الملكي كان اسمها مدرسة الفنون الجميلة أو كلية الفنون الجميلة، صنعت معهداً للفجور الكامل الواضح.
ثم بعدما ذكر بعض الأشياء السيئة مما يحدث في التصاوير في هذه الكلية قال: يقولون: إن هذا فن.
لعنهم الله ولعن من رضي هذا منهم أو سكت عليه، وإنا لله وإنا إليه راجعون.