وعن مصعب بن أحمد بن مصعب قال: قدم أبو محمد المروزي إلى بغداد يريد مكة وكنت أحب أن أصحبه، فأتيت واستأذنته في الصحبة فلم يأذن لي في تلك السنة، ثم قدم سنة ثانية وثالثة فأتيته فسلمت عليه وسألته فقال: اعزم على شرط أن يكون أحدنا الأمير لا يخالفه الآخر، فقلت: أنت الأمير، فقال: لا، بل أنت، فقلت: أنت أسن وأولى، فقال: فلا تعصيني؟ قلت: نعم.
فخرجت معه، وكان إذا حضر الطعام يؤثرني، فإذا عارضته بشيء قال: ألم أشرط عليك ألا تخالفني، فكان هذا دأبنا حتى ندمت على صحبته لما يلحق نفسه من الضرر، فأصابنا في بعض الأيام مطر شديد ونحن نسير، فقال لي: يا أبا محمد اطلب الميل -الميل علامات كانت توضع في الطريق توضح مراحل السفر والمسافات بين المدن، فينصب لذلك ميل على الجدار- فاتجه إلى هذا إلى الميل، ثم قال لي: اقعد في أصله، فأقعدني في أصله، وجعل يديه على الميل وهو قائم قد حنا علي وعليه كساء قد تجلل به يظلني من المطر، حتى تمنيت أني لم أخرج معه لما يلحق نفسه من الضرر، فلم يزل هذا دأبه حتى دخل مكة رحمة الله عليه.
فهذا خلق نادر من الإيثار الذي كان عليه السلف رحمهم الله تعالى.