أيضاً من الآداب الشرعية أن يجتهد الإنسان في قراءة الأذكار مجودة، أن يجتهد في التجويد، فبعض الناس إذا سمع بعض الشيوخ يقرأ حديثاً في صحيح البخاري أو مسلم مجوداً يستنكره ويقول: فلان يقرأ الأحاديث تماماً كما يقرأ القرآن! فهذا قصور في الفهم، فإن التجويد أصلاً من الصفات الأساسية للحروف في اللغة العربية، فالعرب ما نطقت حرفاً إلا مجوداً، حتى في الشعر، وكلامهم العادي كان كله مجوداً، وليس ذلك من الأمور التحسينية أو التكميلية، بل هو من الصفات الذاتية للحروف العربية.
فقولهم: وليل كموج البحر أرخى سدوله علي بأنواع الهموم ليبتلي فقلت له لما تمطى بصلبه وأردف أعجازاً وناء بكلكل ألا أيها الليل الطويل ألا نجل بصبح وما الإصباح منك بأمثل وأمثاله كانوا يقولونه مجوداً.
وهكذا كانت هذه اللغة العربية، والأصل في اللغة العربية أن تنطق مجودة؛ لأن العرب ما نطقت كلاماً إلا مجوداً، فبالأولى إذا نطقت الأحاديث أن تقرأها أيضاً مجودة، وإذا ذكرت الله سبحانه وتعالى فأكمل الأحوال أن تكون في ذكرك مراعياً قواعد التجويد في ذكر الله سبحانه وتعالى، يقول الشيخ عطية الأجهوري في حاشيته على شرح الزرقاني للمنظومة البيقونية: فائدة: قال الإمام محمد بن محمد البديري الدمياطي في آخر شرحه لهذه المنظومة المباركة ما نصه: وأما قراءة الحديث مجودة كتجويد القرآن من أحكام النون الساكنة والتنوين والمد والقصر وغير ذلك فهي مندوبة كما صرح به بعضهم، لكن سألت شيخي خاتمة المحققين الشيخ علي الشبراملسي تغمده الله تعالى بالرحمة حالة قراءتي عليه صحيح الإمام البخاري عن ذلك فأجابني بالوجوب -شيخه أفتاه بوجوب التجويد- وذكر لي أنه رأى ذلك منقولاً في كتاب يقال له:(الأقوال الشارحة في تفسير الفاتحة)، وعلل الشيخ حينئذ ذلك بأن التجويد من محاسن الكلام، ومن لغة العرب، ومن فصاحة المتكلم، وهذه المعاني مجموعة فيه صلى الله عليه وسلم، فمن تكلم بحديثه صلى الله عليه وسلم فعليه مراعاة ما نطق به صلى الله عليه وسلم.
وقال العلامة القاسمي رحمه الله تعالى في قواعد التهذيب: ولا يخفى أن التجويد من مقتضيات اللغة العربية؛ لأنه من صفاتها الذاتية، ولأن العرب لم تنطق بكلمة إلا مجودة، فمن نطق بها غير مجودة فكأنه لم ينطق بها، فليس هو في الحقيقة من محاسن الكلام، بل من الذاتيات له، فهو إذاً من طبيعة اللغة، لذلك من تركه وقع في اللحن الجلي؛ لأن العرب لا تعرف الكلام إلا مجوداً.
ونحن لا نطالب الإخوة في كلامهم العادي أن يراعوا التجويد حتى في الحوار العادي، لكن على الأقل يجودون الأحاديث والأذكار، فضلاً عن قراءة القرآن الكريم، أو على الأقل لا ينكر على من يفعل هذا ويصور كأنه يأتي ببدع من الأمر.