[مراوغة إسماعيل منصور والحمزة دعبس في الرد على الرسالة]
بعد هذه العبارة التي رد عليها هرب من مواجهة الحقيقة، ولم ينشر -أيضاً- هذه العبارة المهمة جداً في القضية، وهي: وإنما ينظر في الخلاف إذا كان بين أمرين كلاهما مطلوب الترك: إما على وجه الحتم واللزوم فهو الحرام، أو غيره فهو المكروه، أو بين أمرين كلاهما مطلوب فعله: إما على وجه الحتم واللزوم فهذا الواجب، أو غيره فهو المستحب، أما الخلاف غير المعتبر ابتداء فهو ما يصفه فضيلة الشيخ عبد الجليل عيسى في كتابه (ما لا يجوز فيه الخلاف بين المسلمين) بأنه أخطر أنواع الخلاف، وهذا ما لا يصح نسبته إلى الشريعة المنزهة عن التناقض، قال الله تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافًا كَثِيرًا} [النساء:٨٢].
فليت شعري -أي: ياليتني أعلم- ماذا تفعل المسلمة التي تريد أن تحتاط لدينها في عمل إن هي عملته عوقبت في نظر البعض، وإن لم تعمل نفس العمل تكون آثمة معرضة للعقاب في نظر البعض الآخر، لا ريب أن الحق هنا في أحد القولين ولا يتعدد، والحاصل أن الخلاف الذي ينتصر له الأستاذ حمزة لا يُعتدّ به، ولا يجوز النظر فيه أصلاً بهذا الاعتبار.
فقال في رده على كلامي السابق: ثم يقول في نفس الموضع: فليت شعري ماذا تفعل المسلمة إلى قوله: في نظر البعض الآخر.
وأقول تعقيباً على ذلك: إنني سأدلك يا أخي على ما يجب أن تفعله المسلمة في هذه المسألة دون أدنى حيرة: إن عليها أن لا تزيد شيئاً على هدي نبيها صلى الله عليه وسلم وفعل الصحابة الأفاضل رضوان الله عليهم! وهكذا يظل يأتي بالعمومات، ويستدل بنفس الدعوى على أن النقاب حرام.
ثم في موضع آخر يقول: إن النقاب حرام؛ لأن النقاب من الخبائث، والرسول أتى ليحرم علينا الخبائث! ونقول له: اثبت -أولاً- أنه من الخبائث؟ وهو غريب جداً في فهمه للآيات والأحاديث ولا حول ولا قوة إلا بالله، ونقول له أيضاً: عليك باتباع الصحابة واتباع الكتاب والسنة.
لكنه يأتي بالكلام العام ويهرب من الأدلة العلمية.
ففي آخر الجواب يقول: إن كان عندك علم في ذلك فأخرجه لنا، فإن لم تجد فأحب أن تلتزم بهذا الحديث كما التزمنا به، فلا تخالف سنة النبي صلى الله عليه وسلم وسنة الخلفاء الراشدين المهديين بأية اختراعات! وأقول: فمن الذي يخترع ويبتدع؟! ما رأيت باطلاً أشبه بحق من كلامك.
بعد ذلك قلت له في
الجواب
وأخيراً: لقد وصف رسول الله صلى الله عليه وسلم دواء داء الفرقة بقوله: (فإنه من يعش منكم فسيرى اختلافاً كثيراً، فعليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين)، فالسنة تجمع المتفرقين، وتوحد المختلفين، ولقد جعل الله عز وجل إجماع العلماء حجة معصومة من الضلال، فلا يصح أن نجعل ما يضاده -وهو الاختلاف- حجة أيضاً، بل علينا أن نردد مع ابن مسعود رضي الله عنه قوله: الخلاف شر.
وما أحسن قول حافظ المغرب الإمام أبي عمر ابن عبد البر رحمه الله في كتابه (جامع بيان العلم وفضله): الاختلاف ليس بحجة عند أحد علمته من فقهاء الأمة، إلا من لا بصر له، ولا معرفة عنده، ولا حجة في قوله.
أذكر هذا مع أن دائرة الخلاف في المسألة التي نحن بصددها قد ضاقت إلى حد كبير في هذا الزمان، حيث يكاد يتفق علماء المذاهب المتبوعة على وجوب الحجاب الكامل لجميع بدن المرأة عن الأجانب، حتى الذين يرون أن الوجه والكفين غير عورة أصلاً، وذلك نظراً لفساد أكثر الناس في هذا الزمان، وعدم تورعهم عن النظر المحرم إلى وجه المرأة الذي سماه رسول الله صلى الله عليه وسلم: (زنا العين)، ولولا خشية الإطالة لأفضت في ذكر النقول عنهم، وأكتفي بهذا القدر.
ثم قلت في نهاية الخطاب: وكلّي ثقة إن شاء الله أن تنشر جريدة النور هذا التعقيب، أُسوة بما فعلته مع عزيز أحمد سكرتير سفارة أفغانستان الشيوعية، وممثل الدولة التي فتكت بالمسلمين، دون أن ترى الجريدة في ذلك ازدواجاً في المواقف المبدئية، والله تعالى من وراء القصد، والحمد لله رب العالمين.
وفي الأسبوع الماضي الذي بعده مباشرة كتب الحمزة اعتذاراً عن الاعتذار، ثم في نهاية الكلام نشر سطوراً قليلة جداً من الرسالة، ثم قال: إن هذا البحث لا يجوز الحكم ببطلانه بمجرد مطالعة عنوانه، وذلك للأمور الآتية وقدم أسبابه الأربعة، وانتهى الكلام على هذا بأن هذا الخلاف لا يعتد به، ولا يجوز النظر فيه أصلاً بهذا الاعتبار، وقال: إنه كله ثقة بمشيئة الله تعالى أن تنشر جريدة النور هذا التعقيب، وبتر بقية الكلام.
وأقول له: كيف تقول: الرأي والرأي الآخر، وحرية الرأي! إنها رهبانية ابتدعوها وما رعوها حق رعايتها، فحرية الرأي أصلاً بدعة ضلالة، ثم تُعطى حرية الرأي لإنسان مضل مبطل يناقض كلام الله وكلام رسوله، فهذه ليست حرية رأي، ومع ذلك يا ليتكم احترمتم حرية الرأي، لكنها الخيانة كما ترون.
فأنا أريد أن أبكته بطريقة غير مباشرة؛ لأنه ينشر مقالة لـ عزيز أحمد سكرتير دولة أفغانستان الشيوعية، ويقول: من باب حرية الرأي والرأي الآخر جاءنا هذا الرد من عزيز أحمد سكرتير دولة أفغانستان.
وهي مقالة طويلة بطول الصفحة كلها، يهاجم فيها الإخوة الأفغان المجاهدين، ويطعن فيهم، ويدافع عن الحكومة الشيوعية العميلة، فأنا أقول له: ساو بيني وبين عزيز أحمد هذا، وعاملني مثلما تعامل هذا الشيوعي الملحد، وانشر كلامي بأمانة كما نشرت الرأي الآخر للرجل الشيوعي.
لكنه بتر الكلام وقطعه عند قولي: (وكلي ثقة إن شاء الله أن تنشر جريدة النور هذا التعقيب) وقطع الكلام على هذا، وحذف العبارة التي قلت فيها: أُسوة بما فعلته مع عزيز أحمد سكرتير سفارة أفغانستان، وممثل الدولة التي فتكت بالمسلمين، دون أن ترى الجريدة في ذلك ازدواجية في المواقف المبدئية.
فبتر هذا الكلام وأظهر أني حريص على أن ينشر الرد في الجريدة وينشر اسمي! فقال: وقال: وكلي ثقة في أن تنشر جريدة النور هذا التعقيب.
ولا شك أننا بإذن الله تعالى سوف ننشره وكافة التعقيبات الأخرى بعد نشر مقالات الدكتور إسماعيل منصور في تحريم النقاب؛ لتكون مواجهة الدليل بالدليل والبرهان بالبرهان؛ إذ لا يكفي في هذا الصدد الرد على العنوان! ثم يقول في اعتذاره: عندما كتبت مقدمة من البحث القيم للدكتور إسماعيل منصور لم أكن أحسب أن هذا الموضوع سوف يثير هذه الانفعالات المتباينة، وكنت قد أكدت أنني استشرت من حولي ممن أثق بعلمهم فأشاروا بعدم نشره، ولكنني لم أكن قد استخرت! وأقول: في أي شيء تستخير؟! إن صلاة الاستخارة تكون في شيء مباح أو حق، لكن أن تستخير في أن تعصي الله وتنشر الباطل فلا تجوز الاستخارة أصلاً في هذا الباطل.
يقول: لم أكن قد استخرت عندما اعتذرت عن نشر هذه السلسلة، واتفقت في ذلك مع الدكتور إسماعيل منصور على الاستخارة! إلى آخر الكلام في (الاعتذار عن الاعتذار) ثم أخرج الرسالة إسماعيل منصور أخيراً من الدرج إبان غزو العراق للكويت مباشرة، وفجّر هذه القنبلة، وظل ينتقد ويرد على رسالتي بعد سنة ونصف تقريباً أو أكثر من إخفاء الرسالة، ثم يوهم أن ردي على كتابه هو هذه الرسالة، والصحيح أن الرسالة كُتبت قبل أن ينشر شيئاً من مقالات إسماعيل منصور، بدليل أن تاريخ الرسالة هو (١١/ ٣/١٩٨٩م).
ثم يقول: وهذه الرسالة تقوم في موضوعها الأساسي على الاتهام الذي لا يتوافق مع أي منهاج من مناهج العلوم قديماً أو حديثاً، فلم يتطوع بالرد على واحد منها بآية كريمة.
فيقول: لم يتطوع بالرد على واحد منها -أي: من أدلته- بآية كريمة، أو حديث شريف، أو قاعدة فقهية، أو حجة اصطلاحية، وإنما اكتفى باتخاذ مقام الواعظ المعرض عن الموضوع كله ابتداء، مقرراً من أول وهلة أن الصواب الكامل والحق الصراح هو في الحكم على كل هذه المقالات بالبطلان دون انتظار لقراءة ما فيها، بل من مجرد قراءة عنوانها هكذا، ولا ندري كيف رضي صاحب الرسالة بهذا القول الذي لو طبق في مجال البحث العلمي لأغلقت الجامعات أبوابها، ولطفقت ساحات العلم خاوية، فلا تجد من تؤويه، ولطمست أمجاد علماء الإسلام الجهابذة وآثارهم العظيمة، سواء أفذاذ الصحابة الأفاضل رضوان الله عليهم أو أعلام التابعين الأوائل رضي الله عنهم، الذين انتظموا جميعاً في طريق بيضاء نقية، لا تعرف في مناقشة الأمور العلمية سوى تقديم الحجج، وسوق البراهين، واستخراج الأدلة، ولم يلجئوا في إقامة علومهم إلى المصادرة على الأقوال، ولا اتهام نيات أصحابها أو التسرع في الحكم دون دراسة أو تمحيص.
وأقول: كأنه ظن نفسه في معمل الطب الشرعي (معمل السموم) حيث تكون التجربة، ثم المشاهدة، ثم الاستنتاج، ولم يعلم أنه مع مسألة شرعية تحكمه قواعد من الكتاب والسنة، فليس لنا أن نُخضع العلوم الشرعية لأهواء الناس، وكل يقول بحجة البحث العلمي فيخترع ما شاء، لا، فهناك ضوابط وموازين وأصول وقواعد ثابتة، والرجل يريد أن يسبح في الفضاء، ولا يريد أن يتقيد بضوابط أو بقواعد أو بأصول، ثم يلجأ إلى المغالطة، حيث انتقل مباشرة إلى الكلام عن المنهج العلمي، وإغلاق الجامعات و، فهل هذا هو الأسلوب العلمي؟! الله المستعان! ثم يقول: يا أخانا المسلم الفاضل! قدم لنا علماً ودليلاً وبرهاناً.
يَتَمَسْكنُ بهذه العبارة حتى يظهر للناس أنه مسكين ومغلوب على أمره، مع أنني أرسلت له الكتاب في مائتين وخمسين صفحة مملوءة بالأدلة الكافية.
ثم يقول: فلعلنا نتعلم من علمك هذا، وإلا كنا نحن المخطئين، ولصرنا بذلك عن حدود الأدب خارجين، ومن يدري! ربما حكم علينا بأشد من ذلك وأعظم، أليست هذه مأساة؟! أليست هذه كارثة؟! بل إن صاحب الرسالة يحكم علي بسبب هذه المقالات التي فيها الرد على تحريم النقاب بأني ليست لي مسكة من فقه؛ لأني تجاسرت على هذا القول، بينما أستطيع أنا الآن أن أحكم له بأنه أخ فاضل، يبدو أنه محب لدينه القويم، غيور