للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عدم مشروعية التقليد للعلماء إلا في أوضاع خاصة]

كذلك حتى في تقليد العلماء حينما نقلد العلماء في بعض الأوضاع التي يسوغ فيها التقليد خاصة بالنسبة لعوام المسلمين، فاتباع أهل العلم لا يكون اتباعاً لهم من ذواتهم من حيث هم، وإنما هو باعتبارهم ممثلين للشريعة ووسائط بيننا وبين الشريعة الشريفة في العلم والفقه.

وقد اتفقت الأمة على أن اتباع أهل العلم إنما يكون من جهة علمهم بالشريعة وقيامهم بحجتها، وحكمهم بأحكامها جملة وتفصيلاً، وأن تحكيم الرجال من غير التفات إلى كونهم وسائل للحكم الشرعي المطلوب شرعاً ضلال وبهتان، وأن من علم أو غلب على الظن عدم إصابته للحكم الشرعي فيما ألقاه فلا يتبع في ذلك، بل يجب التبين ومواصلة السؤال حتى يغلب على الظن أنه حكم الله تبارك وتعالى، فأنت لا تتبع المفتي أو الفقيه أو الإمام لذاته، وإنما أنت تتبعه من حيث كونه وسيلة إلى تعليمك أو إعلامك وتعريفك بحكم الشرع الشريف، فحتى في التقليد المتبوع الحقيقي هو الشرع الشريف ليس هذا فحسب، بل أجمعت الأمة على أن زلة العالم الفقيه المخلص -الذي كل الصفات فيه- لا يصح الاعتداد بها، ولا البناء عليها، ولا على اعتبارها قولاً يعتد به في مسائل الخلاف، ولا يصح نسبته إلى الشريعة بأي حال من الأحوال، لأنها لم تصدر عن اجتهاد، ولا هي من مسائل الاجتهاد، وإنما كان صدورها لمجرد خفاء الدليل أو عدم مصادفته.

والخلاف الذي يعتد به هو الخلاف الصادر عن أدلة معتبرة في الشريعة، لكن إذا زل العالم زلة شديدة -وهذا موجود في العلماء- فهل تنسب زلته إلى الشريعة؟ وهو ليس قاصداً ولا متعمداً، فما بالك بمن يرفض التحاكم إلى الشرع أصلاً وابتداءً ويهدر سيادة الشريعة؟!