يقول الحارث المحاسبي رحمه الله تعالى: إن علم إبليس أنك حذر خائف في كثير من أحوالك، لم يبدأ صاحبك بالتزين له بالغيبة والكذب، إن علم أنك من ذلك نافر وله مجانس، ولكن يدعكما أنت وصاحبك، مادام أنكما لا تريدان أن تتكلما في الغيبة، حتى إذا ذكرتما الله عز وجل، واستأنست قلوبكما، زين لكما فضول الكلام والراحة إلى الدنيا، فإذا خضتما في ذلك زين لكما الغيبة، فإن كنتما من الخائفين في كثير من أموركما أجرى الغيبة من قبل الغضب لله عز وجل أو التعجب أو الإنكار أو التوجع لمن تغتابانه.
وهذه فتنة شائعة خاصة في أهل الدين، وهي إظهار الغيبة بحجة أنه يغضب لله عز وجل، فيقول: هذه غيرة على الدين، والغيبة جائزة في ستة أحوال وهي كذا وكذا وكذا، وهو يقصد به التشفي! فمشكلتنا أننا دائماً نبدأ من حيث انتهى الشرع، أقصى منطقة يؤاخذ فيها الشرع تكون بالنسبة لنا نقطة تشريع، وننطلق بعدها إلى بعيد جداً عن حدود الشرع، فالنصيحة للإخوة عموماً ترك الغيبة، وبعض البلاد قد اكتوت بنيران هذه الفتن، فحصدت الدين وحلقته كما تحلق الرءوس، يدخل لهم الشيطان من هذه الثغرة، فيقولون: نحن نغضب للمنهج والدفاع عن السلفية، والرد على أهل البدع إلى غير ذلك من هذه التزيينات الشيطانية، ويصبح من هذه الثغرة ينطلق الشيطان يفعل مفعوله، والذي لا يستطيع أن يضبط لسانه ولا قلمه فننصحه أن يكف وينسى أن هناك رخصاً في الغيبة؛ لأن مشكلتنا أننا أصلاً متمادون في هذا الذنب، ومترخصون فيه جداً، فينبغي الحذر من ذلك، وعدم الإنصات لمن يدعون أنهم يدافعون عن المنهج، وأنهم يدافعون عن كذا وكذا، وهم بسلوكهم إنما يقصدون تنقص خلق الله سبحانه وتعالى.