[مقدمة بين يدي باب الاستنجاء وآداب التخلي]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد ومن يضلل فلا هادي له.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد النبي الأمي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
دين الإسلام هو دين حياتي، يتعامل مع الحياة، وينظم كل شئون المسلم، حتى في الأمور التي هي أصلاً من العادات، فالشرع تعرض لها بأمر أو نهي، وبذلك تنتقل من العادة المحضة إلى العبادة، بحيث يصير هذا المأمور به أو المنهي عنه حداً من حدود الله تبارك وتعالى.
فينبغي أن يتعبد المسلم بطاعة ربه والاقتداء بنبيه صلى الله عليه وآله وسلم فيما شرع من هذه الأشياء، وقد تعجب بعض أهل الكتاب من هذه الطبيعة للإسلام، فقال بعضهم لأحد الصحابة رضي الله عنهم: لقد علمكم نبيكم كل شيء حتى الخراءة! يعني: قضاء الحاجة.
ويقول بعض الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم: (ما ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم أمراً إلا ذكر لنا منه علماً، ولا طائراً يطير بجناحيه في السماء إلا ذكر لنا منه علماً)، فصلى الله عليه وآله وسلم.
فهذا هو الإسلام وهذا الدين إذا نظرت إليه من أي زاوية من الزوايا قلت: إنه لا يمكن إلا أن يكون من عند الله عز وجل، وإنه الدين الحق، وشريعته الخالدة، وكلمة الله التي لا تبديل لها.
إذا نظرت إلى الإسلام من جانب العقيدة تجد التوحيد الذي فيه تطهير القلب وتنظيفه من نجاسة الشرك، ومن كل الأخلاق الرديئة والعقائد الفاسدة، وفيه تزكية للنفس بالعقائد الصالحة، وهكذا إذا نظرت إليه من جانب العبادات أو المعاملات أو العادات.
ولننظر في باب: الاستنجاء وآداب التخلي، الذي هو من الأمور الشخصية المحضة، فإن الإسلام جعل فيه تشريعاً وأمراً ونهياً وآداباً وحدوداً لله عز وجل حدها، ويجب على كل مسلم أن يتعلمها؛ كي يلتزم بها، وهذه آية من آيات تنظيم الإسلام لأدق شئون الإنسان، فما من الناس إلا وهو يحتاج إلى هذا الآداب حتى يكون متبعاً لكتاب الله ومقتدياً برسول الله صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم.
والاقتداء بالنبي صلى الله عليه وآله وصحبه وسلم لا يكون فقط في الواجبات أو المأمورات، وليس فقط أيضاً في الآداب الشرعية، وإنما أيضاً في العادات المحضة، قال الإمام أبو حامد الغزالي رحمه الله تعالى في كتابه الأربعين: اعلم أن مفتاح السعادة في اتباع السنة والاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم في جميع مصادره وموارده وحركاته وسكناته، حتى في هيئة أكله وقيامه ونومه وكلامه، ولست أقول ذلك في آدابه فقط، بل في جميع أمور العادات، فبه يحصل الاتباع المطلق، كما قال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} [آل عمران:٣١] وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} [الحشر:٧].
ثم يقول: فلا ينبغي التساهل في امتثال ذلك، فتقول: هذا مما يتعلق بالعادات فلا معنى للاتباع فيه، فإن ذلك يغلق عليك باباً عظيماً من أبواب السعادة.
وهذا في العادات المحضة فكيف بالآداب؟! بل كيف بالأوامر والنواهي التي فيها حلال وحرام ومستحب ومكروه وواجب؟!