[العقيدة الصحيحة هي الركن الأعظم للهوية الإسلامية]
الهوية لها أركان عدة، لكن أهم أركانها على الإطلاق هو العقيدة، يليها التاريخ واللغة، فإذا تحدثنا عن الهوية الإسلامية نجد أنها مستوفية لكل مقومات الهوية الذاتية المستقلة، بحيث إن الهوية الإسلامية -بضم الهاء- تستغني تماماً عن أي لقاح أجنبي عنها، وتستعلي عن أن تحتاج إلى لقاح أجنبي يخصبها؛ فهي هوية خصبة تنبثق عن عقيدة صحيحة وأصول ثابتة رصينة تجمع وتوحد تحت لوائها جميع المنتمين إليها، وتملك رصيداً تاريخياً عملاقاً لا تملكه أمة من الأمم، وتتكلم لغة عربية واحدة، وتشغل بقعة جغرافية متصلة ومتشابكة وممتدة، وتحيا لهدف واحد هو إعلاء كلمة الله، وتعبيد العباد لربهم، وتحريرهم من عبودية الأنذال إلى عبودية الله عز وجل، وأي واحد من جنود الجيش الإسلامي الذي كان يفتح البلاد ويبشر وينشر ضياء ونور الإسلام إذا سألته سيردد جواب ذلك الصحابي الذي سئل: ما جاء بكم؟ فقال: الله جاء بنا لنخرج العباد من عبادة العباد إلى عبادة رب العباد، ومن جور الأديان إلى عدل الأديان، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة، أو كما قال رضي الله تعالى عنه.
فالمسلم يعرف الهدف الذي يعيش له بمنتهى الوضوح، ويعرف الهدف المحدد الذي يحيا لأجله، وهذا ثمرة من ثمرات هذه الهوية، لكننا سنلقي أكثر الضوء على الركن الأعظم من أركان الهوية الإسلامية وهو ركن العقيدة، فجنسية المسلم هي عقيدته، ووطنه هو دينه الذي هو عصمة أمره، والهوية الإسلامية في المقام الأول تعني الانتماء للعقيدة انتماءًَ يترجم ظاهراً في مظاهر دالة على الولاء لها، والالتزام بمقتضياتها؛ فالعقيدة الإسلامية التوحيدية هي أهم الثوابت على الإطلاق في هوية المسلم وشخصيته، وهي أشرف وأعلى وأسمى هوية يمكن أن يتصف بها إنسان ينتمي إلى بني آدم؛ لأنها انتماء إلى أكمل دين، وأشرف كتاب نزل على أشرف نبي صلى الله عليه وسلم، وإلى أشرف أمة، وقد أرسل هذا النبي صلى الله عليه وسلم إلى أشرف أمة بأشرف لغة وبسفارة أشرف الملائكة في أشرف بقاع الأرض في أشرف شهور السنة في أشرف لياليه وهي ليلة القدر، وبأشرف شريعة وأقوم هدي، ولذلك مدح الله القرآن العظيم وعظم هذه الهوية، كما قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلًا مِمَّنْ دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحًا وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ}[فصلت:٣٣].
وإن كانوا يذكرون هذه الآية في فضائل المؤذن، لكن هي في عمومها تشمل كل من ينتمي إلى الهوية الإسلامية، فالمؤذن تتجاوب معه كل المخلوقات، إذ لا يبلغ مدى صوت المؤذن شجر ولا حجر ولا أي مكان إلا وهو يصدقه فيما يقول، فإذا قال: أشهد أن لا إله إلا الله، يقول الشجر والحجر وكل ما يسمع: صدقت.
ويقره على افتخاره ودعوته إلى هذه الهوية.
ويقول الله سبحانه وتعالى مبيناً أنه لا أحسن ولا أكمل من الهوية الإسلامية:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ وَاتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا}[النساء:١٢٥]، وقال عز وجل:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا}[المائدة:٣].
وبين تعالى أن صبغة الله هي التوحيد والإسلام والعقيدة، فإذا كان النصارى يصبغون أولادهم لينصروهم بما يسمى بالتعميد فصبغة الله هي فطرة التوحيد وعقيدة التوحيد، قال تعالى:{صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ}[البقرة:١٣٨].