[تفسير قوله تعالى:(فإن تولوا فقل آذنتكم على سواء)]
قوله تعالى:{فَإِنْ تَوَلَّوْا}[الأنبياء:١٠٩] أي: تركوا ما دعوتهم إليه {فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنبياء:١٠٩] أي: أعلمتكم؛ لأن معنى الأذان: الإعلام (فَقُلْ آذَنْتُكُمْ) أي: أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي، وأنا بريء منكم كما أنكم برآء مني، وذلك كقوله تعالى:{وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ}[يونس:٤١]، ومثل قوله تبارك وتعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنفال:٥٨] أي: ليكن علمك وعلمهم لنبذ العهود على السواء، وهكذا هاهنا قال عز وجل:{فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنبياء:١٠٩] أي: أعلمتكم ببراءتي منكم، وبراءتكم مني لعلمي بذلك.
يقول الشنقيطي رحمه الله تعالى في نفس هذه الآية:(فَإِنْ تَوَلَّوْا) أي: أعرضوا وصدوا عما تدعوهم إليه: (فَََقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ) أي: أعلمتكم أني حرب لكم كما أنكم حرب لي، بريء منكم كما أنتم برآء مني.
واستدل بنفس هذه الآيات التي ذكرنا، وبين أن معنى (آذنتكم) أعلمتكم، ومنه الأذان للصلاة، وقوله تعالى:{وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ}[التوبة:٣] يعني: إعلام من الله، وقال عز وجل:{فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ}[البقرة:٢٧٩] أي: اعلموا.
ومنه قول بعض الشعراء: آذنتنا ببينها أسماء رب ثاو يمل منه الثواء يعنى: أعلمتنا ببينها، فالمقصود:(فَََقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلَى سَوَاءٍ) أي: أعلمتكم على بيان أنا وإياكم حرب لا صلح بيننا، وإن كان بيننا وبينكم أي عهد فقد نقضناه.
إذاً:(آذنتكم) أي: أعلمتكم، ويكون علمي وعلمكم بهذه الحرب سواء {لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ}[الكافرون:٦].
فقوله تعالى:{وَإِمَّا تَخَافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيَانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلَى سَوَاءٍ}[الأنفال:٥٨] يعني: إن كان بينك وبين قوم عهد وميثاق وخفت منهم الخيانة فأعلمهم أولاً بأن هذا العهد انقضى ولا تغدر؛ فإن الأنبياء لا يغدرون، بل أعلمهم قبل أن تقاتلهم بأنك قد نقضت هذا العهد، فاستويت أنت وهم في العلم بذلك، فليس لفريق عهد ملزم في حق الفريق الآخر.
قال الزجاج: معنى الآية: أعلمتكم بما يوحى إلي على استواء في العلم به.
وهذا تفسير آخر، أي: كل الناس سواء في هذا الحق، لم أكتم عن فريق ما أظهر به لفريق، لكنني أعلمتكم جميعاً ما أوحي إلي، ولم أكتم منه شيئاً، وكلكم سواء في العلم بما أوحي إلي، ولم أظهر لأحد شيئاً كتمته عن غيره.