للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نص الرسالة التي فيها الرد على إسماعيل منصور وتلاعب الصحافة بها]

هذه نص الرسالة التي كانت رداً على الاعتذار، وهذه الفقرة التي سأذكرها حُذفت من الرسالة بكاملها: بسم الله الرحمن الرحيم (فتيا شاذة واعتذار يحتاج إلى اعتذار).

كنت أتلهف شوقاً للحصول على نسخة من العدد الأخير من جريدة النور؛ لأطالع ما وعد به الأستاذ الحمزة دعبس -وفقه الله- من نشر سلسلة مقالات بعنوان (تذكير الأصحاب بتحريم النقاب) والذي مهّد لها بديباجة مثيرة للمشاعر، وقبل أن ينشر دليلاً أو حتى شبهة دليل على دعواه تحريم النقاب وتأثيم المنقبة، وإذا به -عفا الله عنه- يصدّر الصفحة الرابعة من الجريدة باعتذار موجّه -فقط- إلى صاحب المقالات، مع أنه كان ينبغي له أن يعتذر عن إعلانه المسبق بالتحيز الكامل لهذا الرأي الجريء، فضلاً عن أن اعتذاره يحتاج إلى اعتذار؛ لما ينبعث منه من روح الاحتقار والازدراء للمنقبات، فجاء اعتذاره أشد على النفوس من الذنب نفسه، لهذا نناشد الأستاذ حمزة دعبس أن يبادر بالاعتذار عما نشره من دعاية مسبقة توهم أن صاحب المقالات أتى بما لم تستطعه الأوائل! أو أن يواصل المسيرة وينشر البحث كاملاً، ويضرب عرض الحائط بالأصوات المتعقلة التي نصحته بالكف عن هذه الحملة على المنقبات؛ حتى لا يقف في خندق واحد -وحاشاه- مع أعداء الصحوة الإسلامية، ولا أدري كيف استطاع الأستاذ حمزة -حفظه الله- أن يقنع ضميره بأنه برأ ساحته بهذا الانسحاب السريع، كيف وقد أشعل الفتيل بالفعل ثم انسحب وهو لا يدري ما ترتب على ما قدمه من آثار.

فحذفت هذه الفقرة بكاملها، ولم ينشروا منها حرفاً واحداً سوى كلمة (وقال: إن اعتذاره يحتاج إلى اعتذار) فأتى بالمقالة في الأسبوع الثاني وسماها (اعتذار عن الاعتذار).

ثم إن الفقرة الآتية حُذف السطر الأول والثاني منها، حيث كنت تكلمت فيها عما حدث من منصب الإفتاء الذي جلس عليه رجل من كلية الآداب، وشتم الأخوات المنقبات، وتطاول على الإخوة بألفاظ لا تليق حكايتها، وحرّض مسئولي الجامعة على أن يمنعوا المنقبات من دخول الجامعة.

فالفقرة الثانية من الرسالة: ولقد كنا بالأمس القريب نستنكر فتوى بعض الذين يوظفون الإسلام خادماً لأهواء الساسة، غافلين عن أن دين الله يُخدم ولا يَخدم، أعني تلك الفتيا المفزعة المحلولة العقال، المبنية على التجّري لا التحرّي، المؤسسة على الظن وهو أكذب الحديث، أو الهوى وهو معبود باطل خبيث، التي أصدرها طائفة تعج منهم الحقوق إلى الله عجيجاً، وتضج منهم الأحكام إلى من أنزلها ضجيجاً، حيث تمخضت عبقريتهم عن اكتشاف مذهل هو أن النقاب ليس فرضاً ولا سنة! إذاً: الكلام في الرد على من افترى منصب الإفتاء، وليس على إسماعيل منصور الذي زعم أن هذا الكلام رد عليه، بدليل سياق الكلام، بعد ذلك قلت: فكيف بتلك الفتيا الجريئة التي زادت الطين بلة، والتي لا ندري من أي آبار الضلال استقاها صاحبها وانتشلها.

وهذه الفقرة التي سأذكرها الآن حذفت أيضاً، وهي: لأنه ليس في كتاب ولا سنة صحيحة أو سقيمة، ولا في مذاهب من سبق، ولا في اجتهاد أئمة الاجتهاد صوابه وخطئه ما يمتّ إليه هذا الزعم بصلة، فإذا كان الحال كذلك فأي رجل له مسكة من فقه يتجاسر على أن يسجل على نفسه هذه المقولة المحدثة؟! ثم قلت: (إن هذا البحث يجوز الحكم على بطلانه بمجرد مطالعة عنوانه، وذلك للأمور التالية).

فماذا قال الحمزة؟ قال -حتى يشنع علي-: المعروف عند الناس أنه لا يحكم على الكتاب من عنوانه! وليس الأمر كما قال، بل كم من كتاب يحكم عليه من عنوانه مهما زين العنوان ورصعه بالسجع والتكلف، فهو باطل قطعاً يحكم عليه من عنوانه، كما لو ألف أحد كتاباً سماه (توضيح الأمر بوجوب شرب الخمر في ضوء القواعد الأصولية والحديثية والفقهية) فهذا العنوان لا يحتاج إلى نظر في هذا البحث، فالعنوان يعطيك نتيجة البحث المقطوع ببطلانه، فيجوز الحكم عليه ابتداء، وكما لو ألف مؤلف كتاباً أسماه (الرمي بالبلاط على من حرم الاختلاط) أو ألف كتاباً أسماه (الاجتهاد بفرضية الزواج من ثمان عشرة امرأة) أو (ضوء القمر في تحريم غض البصر) فهذا كلام مسجوع وعنوان جميل، ولكن هل ينظر في مثل هذا البحث حتى يحكم عليه أنه حق أم باطل؟! فإذا حرم الإنسان المباح فذلك جريمة، فكيف بمنً يحرم الواجب؟! وحذف الأسباب الأربعة لأنه لو نشرها من البداية لاهتز موقفه كثيراً، لكنه حذف هذه الأسباب الأربعة التي عللت بها جواز الحكم على هذا البحث من عنوانه، فخبأ هذه الأسباب، وكانت الأمانة تقتضي أن يذكر ما هي هذه الأسباب، لكنه قال: وذكر أسباباً أربعة.

وانتهى الكلام! فهل هذه أمانة؟ فما هي الأسباب؟ قلت: إن هذا البحث يجوز الحكم على بطلانه بمجرد مطالعة عنوانه، وذلك للأمور التالية: أولاً: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من أحدث في أمرنا - يعني ديننا- هذا ما ليس منه فهو رد) وهذه الدعوى محدثة لم يقل بها أحد من السلف، ولم ينص أحد من أئمة الهدى في العصور التي يعتد بالخلاف فيها على أن النقاب حرام وأن المنقبة آثمة {سُبْحَانَكَ هَذَا بُهْتَانٌ عَظِيمٌ} [النور:١٦].

فقال إسماعيل منصور عنا: إننا نحن الذين يقال في حقنا: (سبحانك هذا بهتان عظيم).

هذا ويؤيد الحكم على البحث بالبطلان من عنوانه أن العلماء يشترطون في المجتهد أن يكون عارفاً بمواضع الإجماع؛ لأن المسألة إذا ثبت فيها إجماع فلا يجوز النظر فيها، فمن نظر فيها فهو مخطئ قطعاً.

واشترطوا أن يكون المجتهد عارفاً بالناسخ والمنسوخ؛ حتى لا ينظر في الحكم المنسوخ، فيأخذ بآية منسوخة -مثلاً- ويستنبط منها الأحكام.

ثانياً: أن خلاف العلماء في هذه المسألة يدور بين القول بالوجوب وبين القول بالاستحباب، فأصل المشروعية موضع اتفاق بين جميع علماء الأمة، وقد نقل الحافظ ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري) عن الإمام ابن المنذر رحمه الله إجماع العلماء على مشروعية أن تسدل المحرمة الثوب على وجهها لتستتر به عن نظر الأجانب.