عن الهيثم بن عبيد الصيدلاني قال: سمع ابن سيرين رجلاً يسب الحجاج، فقال: مه أيها الرجل -أي: انصت وتعقل وتفكر-! إنك لو وافيت الآخرة كان أصغر ذنب عملت قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج.
أي أنه يقول له: كف عن هذا، ولا تضيع وقتك بالاشتغال بسب الحجاج، مع أن الحجاج رجل ظالم فعل ما فعل من الكبائر، لكن انظر إلى هنا إلى طريقة تفكير ابن سيرين، حيث إنه يدل الإنسان على أن يشتغل بعيب نفسه حتى لو كان في غيره من العيوب ما الله به عليم.
فيقول: مه أيها الرجل! إنك لو وافيت الآخرة -أي: إذا قامت القيامة ووقفت بين يدي الله سبحانه وتعالى- فأيهما أخطر عليك: أقل ذنب أنت عملته بنفسك، أم أعظم ذنب عمله الحجاج؟
الجواب
ما عملته أنت بنفسك، فلهذا ينبغي أن تخاف من ذنبك أكثر من ذنوب غيرك؛ لأن هذا سوف يضرك إن لم يتب الله عليك.
قال ابن سيرين: إنك لو وافيت الآخرة كان أصغر ذنب عملته قط أعظم عليك من أعظم ذنب عمله الحجاج، واعلم أن الله عز وجل حكم عدل، إن أخذ من الحجاج لمن ظلمه شيئاً فشيئاً أخذ للحجاج ممن ظلمه، فلا تشغلن نفسك بسب أحد.
أي أن الله سبحانه وتعالى حكم عدل، فإذا أنت جاوزت الحد وبغيت على الحجاج نفسه -مع أن الحجاج كان ظالماً وباغياً- فالله سبحانه وتعالى حكم عدل، وإن أخذ من الحجاج لمن ظلمه - الحجاج - شيئاً فشيئاً للمظلومين الذين ظلمهم الحجاج؛ لأنه سوف ينتقم الله من الحجاج إن شاء ذلك، ويأخذ من الحجاج بقدر ظلمه لهؤلاء الناس، لكن بجانب ذلك أيضاً الله سبحانه وتعالى لأنه حكم عدل سوف يأخذ للحجاج ممن ظلم الحجاج، فإذا أنت اشتغلت بذنبه وسبه وبغيت في ذلك فلا تأمن أن الله سبحانه وتعالى سوف يعاقبك بأن ينتقم منك من أجل الظلم الذي ظلمته الحجاج، فلا تشغلن نفسك بسب أحد.