[فضل تلقي الحجاج ومصافحتهم]
أخيراً: ننوه إلى أن تلقي الحجاج مسنون، أي: يستحب أن يتلقى الإنسان الحاج ويسلم عليه، ويطلب الاستغفار منه والدعاء له، ففي صحيح مسلم عن عبد الله بن جعفر رضي الله عنه قال: (كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا قدم من سفر تلقي بصبيان أهل المدينة)، كانوا يقابلونه بالصبيان وصغار أهل المدينة.
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (أقبلنا من مكة في حج أو عمرة فتلقانا غلمان من الأنصار كانوا يتلقون أهليهم إذا قدموا)، وقد كان السلف يدعون لمن رجع من حجه، فهذا خالد الحذاء لما رجع، قال له أبو قلابة: بر العمل.
يعني: جعله الله مبروراً.
وعن ابن أبي ثابت قال: (خرجت مع أبي نتلقى الحجاج ونسلم عليهم قبل أن يتدنسوا) يعني: قبل أن يعودوا فيخالطوا الحياة من جديد، وقد رجعوا أنقياء أطهاراً من الذنوب، فهذا هو السبب، ولعلك تحرص على دعائه لك؛ لأنه لم يخض في الفتن والدنيا.
وعن الحسن قال: إذا خرج الحجاج فشيعوهم وزودوهم الدعاء، وإذا قفلوا فالقوهم وصافحوهم قبل أن يخالطوا الذنوب، فإن البركة في أيديهم.
وفي مسند البزار وصحيح الحاكم من حديث أبي هريرة مرفوعاً: (اللهم اغفر للحاج، ولمن استغفر له الحاج)، وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: (لو يعلم المقيمون ما للحاج عليهم من الحق لأتوهم حين يقدمون حتى يقبلوا رواحلهم؛ لأنهم وفد الله في جميع الناس).
ما للمنقطع حيلة سوى التعلق بأذيال الواصلين: هل الدهر يوماً بوصل يجود وأيامنا باللوا هل تعود زمان تقضى وعيش مضى بنفسي والله تلك العهود ألا كل زوار دار الحبيب هنيئاً لكم في الجنان الخلود أفيضوا علينا من الماء فيضاً فنحن عطاش وأنتم ورود أحب شيء إلى المحب سؤال من قدم من ديار الحبيب، فيقول: عرضاني ركب الحجاز أسائله متى عهده بأيام سلع واستمليا حديث من سكن الخيـ ـف ولا تكتباه إلا بدمع فاتني أن أرى الديار بطرفي فلعلي أرى الديار بسمعي من يعد أيام جمع على ما كان منها وأين أيام جمعي فهذا الشاعر يعبر عن مشاعره فيقول: عرضاني ركب الحجاز أسائله لأنه حرم من الحج والسؤال في الموسم فيريد أن يُجْعَلَ في عرض الطريق حين يعود الحجاج من طريق الحجاز.
عرضاني ركب الحجاز أسائله متى عهده بأيام سلع أي: أريد أن أسمع منهم الذكريات التي عاشوها هناك في أيام سلع وفي منى وفي هذه المواقع.
(واستمليا حديث من سكن الخيف) يعني: من سكن مسجد الخيف في منى، وأقام هناك فيها، (ولا تكتباه إلا بدمعى) أي: عليهم أن يملوا علي حديث من سكن الخيف ولا يكتبوه إلا بأدمعي.
فاتني أن أرى الديار بطرفي فلعلي أن أرى الديار بسمعي من يعد لي أيام جمع على ما كان منها وأين أيام جمعي لقاء الأحباب لقاح الألباب، وأخبار تلك الديار أحلى عند المحبين من الأسمار: إذا قدم الركب يممته أحيي الوجوه صدوراً وورداً وأسألهم عن عقيق الحمى وعن أرض نجدٍ ومن حل نجداً حدثوني عن العقيق حديثاً أنتم بالعقيق أقرب عهداً ألا هل سمعتم ضجيج الحجيج على ساحة الخيف والعيس تحدى فذكر المشاعر والمروتين وذكر الصفا يطرد الهم طرداً والعقيق: هو الوادي المعروف الذي وصفه النبي عليه السلام بأنه واد مبارك.
أرواح القبول تفوح من المقبولين، وأنوار الوصول تلوح على الواصلين: تفوح أرواح نجد من ثيابهم عند القدوم لقرب العهد بالدار أهفو إلى الركب تعلو لي ركائبهم من الحمى في أفيحات وأطمار يا راكبان قفا لي واقضيا وطري وحدثاني عن نجد بأخبار ولا يؤهل بالإكثار من التردد إلى تلك الآثار إلا محب مختار، يقول علي بن الموفق: حججت ستين حجة، فلما كان بعد ذلك جلست في الحجر أفكر في حالي وكثرة ترددي إلى ذلك المكان، ولا أدري هل قبل مني حجي أم رد، ثم نمت فرأيت في منامي قائلاً يقول لي: هل تدعو إلى بيتك إلا من تحب؟ قال: فاستيقظت وقد سري عني، أي: أنت لا تستضيف في بيتك إلا شخصاً تحبه.
كان بعض السلف يقول في دعائه: اللهم إن لم تقبلني فهبني لمن شئت من خلقك.
وقال آخر: اللهم ارحمني فإن رحمتك قريب من المحسنين، فإن لم أكن محسناً فقد قلت: {وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا} [الأحزاب:٤٣]؛ فإن لم أكن كذلك فأنا شيء، وقد قلت: {وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ} [الأعراف:١٥٦]، فإن لم أكن شيئاً فأنا مصاب برد عملي وتعبي ونصبي فلا تحرمني ما وعدت المصاب من الرحمة.
قال هلال بن يسار: بلغني أن المسلم إذا دعا الله فلم يستجب له كتب له حسنة.
من كان في سخطه محسناً فكيف يكون إذا ما رضي وقدوم الحاج يذكر بالقدوم على الله سبحانه وتعالى، قدم مسافر فيما مضى على أهله فسروا به، وهناك امرأة من الصالحات فبكت وقالت: ذكرني هذا بقدومه القدوم على الله عز وجل.
قال بعض الملوك لـ أبي حازم: كيف القدوم على الله تعالى؟ قال: أما قدوم الطائع على الله فكقدوم الغائب على أهله المشتاقين إليه، وأما قدوم العاصي فكقدوم العبد الآبق على سيده الغضبان: لعلك غضبان وقلبي غافل سلام على الدارين إن كنت راضياً فاللهم اجعلنا ممن تتلقاهم الملائكة على أبواب الجنة: {سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:٧٣].
ونكتفي بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.
سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك!