الدجال يستعين بالشياطين، والشياطين لا تخدم إلا من يكون في غاية الإفك والضلال والغرق في العبودية لغير الله عز وجل، يقول النبي عليه الصلاة والسلام حاكياً عن فتنة الدجال:(وإن من فتنته أن يقول للأعرابي: أرأيت إن بعثت لك أباك وأمك أتشهد أني ربك؟ فيقول: نعم، فيتمثل له شيطان في صورة أبيه وأمه، فيقولان: يا بني! اتبعه فإنه ربك)، فما أعظم هذه الفتنة، وإن لم يعصم الله تبارك وتعالى الإنسان يفتن بها، فهذه الفتنة العظيمة هي أشد فتنة في تاريخ البشر على الإطلاق.
ومن فتنته التي يمتحن الله بها عباده أن المسيح الدجال يأمر السماء أن تمطر فتمطر، ويأمر الأرض أن تنبت فتنبت في الحال، ويدعو البهائم فتتبعه، ويأمر الخرائب أن تخرج كنوزها المدفونة فتستجيب، ففي حديث النواس بن سمعان رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(فيأتي على القوم فيدعوهم فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر -يريد أن يكافئهم عندما آمنوا به رباً وإلهاً- والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم -المواشي- أفضل ما كانت دراً، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيء من أموالهم، ويمر بالخربة فيقول لها: أخرجي كنوزك، فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل) يعني: جماعات ذكور النحل، فالكنوز تخرج من الأرض وتنشق عن الأرض وتطير في الهواء تتبعه! ومن فتنته: أنه يقتل فيما يظهر للناس ذلك الشاب المؤمن ثم يدعي أنه أحياه، ففي صحيح البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثاً طويلاً عن الدجال، فكان مما حدثنا أنه قال:(يأتي الدجال وهو محرم عليه أن يدخل أنقاب المدينة، فينزل بعض السباخ التي تلي المدينة، فيخرج إليه يومئذ رجل هو خير الناس أو من خير الناس، فيقول: أشهد أنك الدجال الذي حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم حديثه، فيقول الدجال -لمن حوله-: أرأيتم إن قتلت هذا ثم أحييته هل تشكون في الأمر؟ فيقولون: لا.
فيقتله ثم يحييه، فيقول: والله ما كنت فيك أشد بصيرة مني اليوم)، فيكون أشد بصيرة بأنه الدجال؛ لأن هذا الشاب يعلم بهذا الحديث المشهور، ويعلم أنه الشاب الذي شهد له رسول الله عليه الصلاة والسلام بأنه من خير الناس يومئذ.
ثم قال عليه الصلاة والسلام:(فيريد الدجال أن يقتله فلا يسلط عليه).
وفي رواية أخرى في صحيح مسلم:(يخرج الدجال ويتوجه قبله رجل من المؤمنين، فتلقاه مسالح الدجال، -وهم المراقبون والخفراء الذين يحملون السلاح ويجلسون في مراكز المراقبة- فيقولون له: أين تعمد؟! فيقول: أعمد إلى هذا الذي خرج! فيقولون له: أوما تؤمن بربنا؟! فيقول: ما بربنا خفاء.
فيقولون: اقتلوه، فيقول بعضهم لبعض: أليس قد نهاكم أن تقتلوا أحداً دونه؟ فينطلقون به إلى الدجال فإذا رآه المؤمن يقول: يا أيها الناس! هذا المسيح الدجال الذي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيأمر به الدجال فيشبح -يعني: يمد على بطنه- فيقول: خذوه وشدوه، فيوسع ظهره وبطنه ضرباً، فيقول: أوما تؤمن بي؟ فيقول: أنت المسيح الكذاب.
قال: فيؤمر به فينشر بالمنشار من مفرقه حتى يفرق بين رجليه، ثم يمشي الدجال بين القطعتين، ثم يقول له: قم، فيستوي قائماً -يعني يعود حياً- ثم يقول له: أتؤمن بي؟ فيقول: ما ازددت فيك إلا بصيرة، ثم يقول للناس: يا أيها الناس! إنه لا يفعل بعدي بأحد من الناس -لأن هذا الشاب يعرف هذا الحديث- فيأخذه الدجال ليذبحه، فيجعل الله ما بين رقبته إلى ترقوته نحاساً فلا يستطيع إليه سبيلاً، فيأخذ بيديه ورجليه فيقذف به، فيحسب الناس أنما قذفه إلى النار وإنما ألقي في الجنة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هذا أعظم الناس شهادة عند رب العالمين) وهذا الحديث رواه مسلم في صحيحه.