للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أثر العولمة في زعزعة العقائد]

إننا الآن نعيش في عصر ما يسمى بالعولمة، أو النظام العالمي الجديد الذي رسمت ملامحه أمريكا بكل صلف واستبداد، والذي يهدف إلى توطيد دعائم الود والتفاهم والسلام والأخوة الإنسانية أو الأخوة الحمارية.

أريد أن أقول: إن المقصود من هذه الأمور أن توطد دعائم الود والتفاهم بين الحمار وراكبه، فهذه نظرة أمريكا للعالم عموماً وللعالم الإسلامي -للأسف- على وجه الخصوص! فالناس كلهم صاروا يتنفسون هذا الهواء المسمم، ولذلك نحن لا نحس بهذا التسمم إلا إذا فتحنا نافذة للهواء النقي الذي يهب علينا من عصور الإسلام الأولى ومن الكتاب ومن السنة.

وقد تواضعوا الآن على جملة من المفاهيم قدسوها تقديساً، وشنوا الحملات الشرسة على كل من يخالف هذه المفاهيم، وهذا بمنتهى البساطة لا يلزم المسلمين؛ لأنه لا يمثل لنا أي مرجعية.

وهنا يأتي موضوع المقايضة، ومعناه: أن تتنازل لي عن شيء من عقيدتك وأتنازل لك عن شيء من عقيدتي.

وهذا المنطق موجود، لكن وجوده لا بأس به بين الأديان الباطلة بعضها مع بعض، كل واحد يتنازل حتى يلتقي الجميع في منتصف الطريق، أما المسلمون فلا يمكن أبداً أن يقبلوا مبدأ التنازل عن موقف الإسلام من الأصنام، فهذا غير قابل على الإطلاق للتحوير أو المغالطة، وهذا هو ما كشفته بجلاء سورة الكافرون، وقد جاء الرد فيها حاسماً لأطماع هؤلاء الكافرين.

فمبدأ (تنازل لي وأتنازل لك) بحجة الأعراف الدولية والقانون الدولي والتراث الإنساني إلى آخر ذلك الكلام؛ هذا موضوع يسري بينهم، وعندهم قابلية للتنازل إلى أبعد مدى، حتى لو خلعوا دينهم بالكلية كما حصل من الغرب مع النصرانية، وإن لم يخلعوا ثوب التعصب والحقد الأعمى على المسلمين.

والحاصل أن الدين الحق غير قابل على الإطلاق لأن يدخل في هذه المقايضة.

وكما قلت فهذه الحادثة كشفت عن المدى الذي وصلت إليه البشرية من الانحطاط والتدهور، وأثبتت أن المسلمين هم أرقى الأمم على الإطلاق، وأقصد المسلمين الذين هم موحدون؛ لأن كل المسلمين -والحمد لله- موحدون، فنحن المسلمين أرقى الأمم وأعقل الأمم، كما قال شيخ الإسلام ابن تيمية: لا توجد أمة على الإطلاق في عقل المسلمين.

وصحيح أن هناك تخلفاً في النواحي المادية وغير ذلك، وهذه قضية أخرى، لكن لا يوجد في جوهر الحياة والغاية من الحياة -وهي عبودية الله سبحانه وتعالى- أمة ترتقي إلى مستوى هذه الأمة الإسلامية.