[صفة عيني الدجال]
اهتم الرسول صلى الله عليه وسلم في وصف الدجال ببيان وصف عينيه؛ لأن الدجال مهما أخفى صفاته فإنه لا يستطيع أن يخفي عينيه، فالعينان ظاهرتان بارزتان يراهما كل أحد، وبهما صفات واضحة لا تخفى، فقد أشارت الأحاديث السابقة إلى عيوب في عينيه، أوضحها أنه أعور، وجاء في بعض الأحاديث أن العين العوراء هي اليمنى، وجاء في أحاديث أخرى أنها اليسرى، وكونها اليمنى أرجح، فأحاديثها مما اتفق على إخراجه البخاري ومسلم.
وشبه الرسول صلى الله عليه وسلم تلك العين بالعنبة الطافية، يعني: أنها جاحظة إلى الخارج، وفي حديث آخر: وصف عينه اليمنى بكونها (عوراء جاحظة لا تخفى، كأنها نخاعة في حائط مجفف) يعني: كنخاعة في جدار، فهي ظاهرة القبح.
وفي الحديث الآخر قال عليه الصلاة والسلام: (أعور العين اليمنى كأنها عنبة طافية)، وفي حديث آخر: (وعينه اليمنى عوراء جاحظة لا تخفى كأنها نخاعة في حائط مجفف، وعينه اليسرى كأنها كوكب دري).
وهي مع ذلك ممسوحة كما في الحديث الذي رواه مسلم: (الدجال ممسوح العين).
وفي بعض الروايات في مسلم: (العين التي ذهب ضوءها -وهي الممسوحة- عليها غفرة غليظة)، والغفرة جلدة تنبت عند المآقي، وتغطي العين.
وقد وصف النبي عليه الصلاة والسلام العين التي يرى بها فقال: (الدجال عينه خضراء كالزجاجة).
أيضاً: من العلامات التي جعلها الله تبارك وتعالى في الدجال علامة لا يعرفها إلا المؤمنون فقط دون غيرهم ممن طمس الله بصائرهم، هذه العلامة كتابة بين عينيه نصها: ك ف ر، مكتوبة بين عينيه على جبهته، وهذه الكلمة كل مسلم -حتى المسلم الأمي الذي لا يقرأ ولا يكتب- يستطيع أن يقرأها بإقدار الله تبارك وتعالى إياه على ذلك، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ما بعث نبي إلا أنذر أمته الأعور الكذاب، ألا إنه أعور، وإن ربكم ليس بأعور، وإن بين عينيه مكتوب: كافر).
وفي رواية أخرى: (مكتوب بين عينيه: ك ف ر).
وفي حديث أبي أمامة: (مكتوب بين عينيه: كافر، يقرؤه كل مؤمن كاتب أو غير كاتب).
وفي صحيح مسلم: (مكتوب بين عينيه: كافر يقرؤه من كره عمله أو يقرؤه كل مؤمن) وهذه الكتابة على حقيقتها، ليست رمزاً ولا مجازاً كما يزعم بعض الضالين، ولكنها علامة وكتابة حقيقية من جملة العلامات القاطعة بكفره وكذبه وإبطاله، يظهرها الله عز وجل لكل مسلم كاتب أو غير كاتب، ويخفيها عمن أراد شقاوته وفتنته، ولا مانع من ذلك.
أيضاً من صفات الدجال أنه عقيم لا يولد له كما في صحيح مسلم.
إذاً: صفات الدجال صفات بها نقص كبير، فكيف يصح لمثل هذا المخلوق الضعيف المربوب دعوى الربوبية؟! والله لا يرى في الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم: (تعلموا أنه لن يرى أحد منكم ربه حتى يموت).
الدجال غير سوي الخلقة، ففيه عيوب لا تخفى منها أنه أعور، يقول النبي عليه الصلاة والسلام: (إن الله ليس بأعور -وأشار بيده إلى عينيه- وإن المسيح الدجال أعور العين اليمنى، وإن عينه عنبة طافية).
ومنها أنه أفحج، وهو: تباعد ما بين الساقين أو الفخذين، وقيل: اقتراب صدور القدمين مع تباعد العقبين، وقيل: هو الذي في رجله اعوجاج.
يقول القاضي أبو بكر ابن العربي رحمه الله: في اختلاف صفات الدجال بما ذكر من النص بيان أنه لا يدفع النقص عن نفسه كيف كان، وأنه محكوم عليه في نفسه، ولو كان حاكماً لحكم على نفسه بالجمال أو بحسن الصورة.
فالأوصاف التي جاءت في الأحاديث تدل على أنه عاجز عن أن يدفع النقص عن نفسه، فلو كان رباً لأزال النقص الذي في نفسه، فعدم إزالته لعيوبه دليل على أنه مربوب مقهور لا يستطيع أن يتخلص من عيوبه.
والنبي صلى الله عليه وسلم بالغ في بيان كونه أعور؛ لكون العور أثراً محسوساً يدركه العالم والعامي ولو لم يهتد إلى الأدلة العقلية، فمن رآه أعور يشعر بأنه ناقص وأنه مربوب.