[انبهار المرأة وتأثرها بتكريم الإسلام لها]
الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم! صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد، اللهم! بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
لقد انبهرت المرأة المسلمة بتكريم الله تبارك وتعالى لها في الكتاب وفي السنة على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم، فقد رفع ذكر المرأة ومكانتها في الإسلام إلى أبعد مما يطمح خيالها ويصبو أملها، وقد ساق الله عز وجل لها من آي الذكر الحكيم ما بهر سناه بصرها، وملكت محجته نفسها، واستقادت بلاغته وحسن مساقه قلبها، وأنصفت المرأة بما وصف به الله رحمته وعزته وناره وجنته وما أعد للصابرات والمحسنات من جزيل الأجر ورفيع المنزلة.
كيف انبهرت المرأة بهذا التكريم لها الذي جاء في الكتاب والسنة؟! لقد أثار ذلك عاطفتها، وأصاب وجدانها، وأنار بصيرتها، فكان حقاً لذلك أن يصيب حبة قلبها، ويجول في مجال دمها، ويتأسد بين أحناء ضلوعها، فكيف انبهر النساء بهذا الإسلام وبهذا الدين وبهذا التوحيد؟! ثم ماذا كان المقابل الذي بذلته المرأة في سبيل هذا التكريم؟! لقد كان أول قلب خفق بالإسلام وبهذا الدين حينما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم وتألق بنوره قلب امرأة من نساء العرب، إنها خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها.
ما كانت خديجة بنت خويلد رضي الله عنها امرأة من سواء النساء، بل لقد هُيئ لها من جلال الحكمة وبعد الرأي إلى زكاء الحسب وذكاء القلب ما عز على الأكثرين من الرجال، فلم تأخذ الدين مشايعة، ولم تتلقه مجاملة، بل أخذته عن تأثر به وظمأ إليه، فتأثرت أم المؤمنين خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها بهذا الدين تأثراً نفذ إلى قلب النبي صلى الله عليه وسلم، فكان يبعث الغبطة والسكينة عند تدافع النوب واشتداد الخطوب، ثم أعقبها جمهور النساء، فتأثرن بهذا الدين تأثراً هان وراءه كل شيء.
فعن عبد الله بن جعفر قال: سمعت علياً رضي الله عنه يقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: (خير نسائها مريم بنت عمران، وخير نسائها خديجة).
وعن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يكاد يخرج من البيت حتى يذكر خديجة، فيحسن عليها الثناء).
وكما جاء في الحديث: (إن حسن العهد من الإيمان).
وتقول عائشة أيضاً: (كان عليه الصلاة والسلام وفياً أشد الوفاء لـ خديجة، خاصة بعد موتها رضي الله عنها، فكان يحسن عليها الثناء، فذكرها يوماً من الأيام فاحتملتني الغيرة -أي: أخذتها الغيرة- من خديجة فقلت: هل كانت إلا عجوزاً قد أخلف الله لك خيراً منها.
فغضب صلى الله عليه وسلم حتى اهتز مقدم شعره من الغضب، ثم قال: لا والله ما أخلف الله لي خيراً منها؛ لقد آمنت بي إذ كفر الناس، وصدقتني إذ كذبني الناس، وواستني بمالها إذ حرمني الناس، ورزقني الله أولادها إذ حرمني أولاد النساء.
فقلت بيني وبين نفسي: لا أذكرها بسوء أبداً،) ويكفي خديجة رضي الله تعالى عنها أن الله عز وجل أمر النبي صلى الله عليه وسلم أن يبشرها ببيت في الجنة، حيث يقول: (بشر خديجة بنت خويلد ببيت في الجنة من قصب لا صخب فيه ولا نصب).
فبشرت بالجنة رضي الله عنها في حياتها.
إذاً: فأول قلب تلقى هذه الدعوة بالتصديق والإيمان واليقين هو قلب امرأة، وهي خديجة رضي الله تبارك وتعالى عنها.