[هدى شعراوي وتحرير المرأة]
وبعد ذلك خطا الناس إلى أبعد مما نادى به قاسم أمين، فـ قاسم أمين ادعى أنه يريد الوقوف بالحجاب إلى حيث أمرها الله بكشف الوجه والكفين فقط، وكل المعركة في المرحلة الثانية التي هي كتاب "تحرير المرأة" كانت متعلقة بكشف الوجه والكفين، والذي كتب له هذا الكلام هو محمد عبده كما ذكرنا، فلم يدع في هذه المرحلة قط إلى كشف العورات كالأذرع والسيقان وغيرها، ولم يدع إلى الاختلاط بالرجال ومراقصتهم ولا إلى شيء من ذلك.
بل زوجة قاسم أمين كانت محجبة حجاباً كاملاً، بل إنها ظلت ترتدي البرقع والحدرة وقاسم كان ينادي بفكرته، لكنه لم يطبقها في أسرته إلا على النشأ الجديد، ثم قالت زوجة قاسم أمين: إن بنات الجيل الحالي وشبابه قد أخطئوا فهم هذه الدعوة وتجاوزوا مداها، فالمظهر الذي تظهر به الفتاة في هذا العصر ليس سفوراً، بل بهرجة فظيعة لم تخطر على بال قاسم أن ينادي بها أو يدعو إليها، وإنما كان قاسم ينادي بالسفور الشرعي، أي: كشف الوجه، فكلمة السفور تعني الكشف الذي لا يزيد على إظهار الوجه واليدين والقدمين، ولا يتجاوز إلى إظهار العورات وإلى اختلاط المرأة بالرجل بالشكل الحاصل الآن.
تقول: وإني أعتقد أن قاسم بيك لو كان حياً لما رضي عن هذه الحال، بل لانبرى إلى محاربتها.
وقد أخذت الأمور تتطور بسرعة شديدة، وقد شل جسم الحياء من المرأة فأفضت تحدث وتجالس وتصافح وتختلط وتضاحك عامة الناس وأصدقاء وأقارب الزوج وإن بعدوا وإن سفلوا، وألقت المرأة بعد ذلك ملاءتها بعيدا ًعن ساحة الحياء، وخرجت في ملابس ملونة ومزخرفة أخذ المقص يجور عليها حتى خرجن كاسيات عاريات.
وقد تتابعت التطورات في سرعة مذهلة، ولم تدع فرصة للمعارضة، وأعان على اندفاعها جو الثورة التي تلت الحرب وما كان يوحي به من جرأة ومن تمرد على كل قديم.
وفي عام (١٩١٩م) حصلت مظاهرة قامت بها النسوة، وكان عددهن ثلاثمائة، وفي بعض الكتب الوثائقية صورة للنساء في هذه المظاهرات.
وكانت هدى شعراوي في صراع شديد مع زوجها لأنها تذهب إلى المظاهرات، وكان يقول لها: هل أنت ستحرجين الإنكليز إذا عملت مظاهرة؟! وإذا ضربوك بالنار تقولين: يا لهوي! ويا لهوتي! وكذا، تقول: فتركته وانصرفت لألحق بزميلاتي الذي كن ينتظرنني في الخارج.
وقد تهكم منهن حافظ إبراهيم حيث يقول في وصف هذه الغزوة: خرج الغواني يحتججن ورحت أرقب جمعهنه فإذا بهن تخذن من سود الثياب شعارهنه وضللن مثل كواكب يسطعن في وسط الدجنه وأخذن يجتزن الطريق ودار سعد قصدهنه يمشين في كنف الوقار وقد أبن شعورهنه وإذا بجيش مقبل والخيل مطلقة الأعنه وإذا الجنود سيوفها قد صوبت لنحورهنه وإذا المدافع والبنادق والصوارم والأسنه والخيل والفرسان قد ضربت نطاقاً حولهنه والورد والريحان في ذاك النهار سلاحنه فتطاحن الجيشان ساعات تشيب لها الأجنه فتضعضع النسوان والنسوان ليس لهن منه ثم انهزمن مشتتات ال شمل نحو قصورهنه فليهنأ الجيش الفخور بنصره وبكسرهنه فكأنما الألمان قد لبسوا البراقع بينهنه وأتوا بهند نبرج مخـ تفياً بمصر يقودهنه فلذاك خافوا بأسهن وأشفقوا من كيدهنه وقد تردت أوضاع المرأة بعد ذلك إلى وضع لم يكن يحلم به قاسم أمين، حيث قامت حركة هدى شعراوي، وكان لها تأثير سيئ جداً، وقد سافرت إلى باريس وأمريكا، وحصل منها تصريحات واجتماعات تدعو فيها إلى تحرير المرأة.
وفي هذه المرحلة أيضاً كتب الشاعر محمد عبد المطلب قصيدة جميلة جداً يصف أحوال المرأة في ذلك الزمان يقول فيها: ما في بنات النيل من أرب لذي غرض نبيل أصبحن عاباً في الزمان وسوءة في شر جيل ما هذه الحضرات تهفو في الخمائل والحقول نكر العفاف ذيولها ومن الخنا قصر الذيول إن ينتسبن إلى الحجاب فإنه نكد الدخيل يختلن أبناء الهوى بالدل والنظر الختول من كل خائنة الحليل تهم في طلب الخليل ما لابنة الخدر المصون وربة المجد الأثيل أودى كثيف نقابها بكرامة الأم البتول يعني: يشتكي من أن النقاب شفاف، هي هذه المشكلة كلها.
يقول: وعلا رنين حجولها أسفاً على الذيل الطويل فإذا مشت هتك النقاب محاسن الوجه الجميل ولقد ينم عبيرها فتحسه من نحو ميل ترتاد خائنة العيون بلحظ فاتنة قتول ثم يعرض بـ قاسم أمين فيقول: يا هل درى ذاك الغيور بما جرى ويح الجهول أهي التي فرض الحجاب لصونها شرع الرسول جعل الحجاب معابها من ذلك الداء الوبيل يا منزل القرآن نوراً للبصائر والعقول عميت بصائر أهل وادي النيل عن وضح السبيل ذهلوا عن الأعراض لو يدرون عاقبة الذهول