قد مر على قيام الدولة اليهودية إلى الآن ما يزيد على أربعين عاماً، وقد أثبتت كل الشواهد خلالها الفشل الذريع والهزائم المنكرة والتراجع المذهل للاتجاه العلماني بأثوابه المتعددة، كالقوميين الاشتراكيين والتقدميين البعثيين، إلى آخر قائمة هؤلاء الملحدين.
فالذي هزم وتراجع أمام اليهود ليس هو الإسلام؛ لأن الإسلام لم يدخل في مواجهة حقيقية مع اليهود حتى الآن، ولابد أنه سيأتي اليوم الذي يرى اليهود أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين قالوا في حقهم يوم ٥ يونيو سنة (١٩٦٧م) يوم أن خرجوا إلى المسجد الأقصى يهتفون ويقولون -لعنهم الله-: محمد مات، خلف بنات! هذا هو ما كان ينطق به اليهود، فهم لم يروا أتباع محمد عليه الصلاة والسلام، وهم يعلمون تماماً أن الإسلام إذا واجه اليهود فلن يذوقوا إلا الأمرين على يد أتباع محمد صلى الله عليه وسلم الذين هم الرجال كل الرجال.
وهؤلاء الأتباع قد جاء وصفهم في القرآن وفي السنة، وهم فقط الذين سيؤدبون اليهود، جاء وصفهم في القرآن في قوله تبارك وتعالى:{بَعَثْنَا عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ}[الإسراء:٥]، فهم يجمعون بين العبودية لله، وبين البأس الشديد، وجاء وصفهم أيضاً في قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لا تقوم الساعة حتى تقاتلوا اليهود، حتى يختبئ اليهودي وراء الشجر والحجر، فيقول الشجر والحجر -ينطق الشجر والحجر-: يا مسلم! يا عبد الله! هذا يهودي ورائي تعال فاقتله، إلا الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود) فيقول الشجر والحجر: يا مسلم! يا عبد الله! ولا يقول: يا علماني! يا اشتراكي! يا ديمقراطي! يا بعثي! يا قومي! فالذين سيؤدبون اليهود هم الذين يقولون: لا إله إلا الله، ويعيشون بلا إله إلا الله، ومن أجل لا إله إلا الله، وأما من كان بخلاف هذا فسيفشل، وسيندحر، ولن يبقى له أي شيء، حتى لو كان هؤلاء العلمانيون من الفلسطينيين الخائنين الذين باعوا فلسطين، وركعوا أمام أعداء الله، فساموهم أذل الذل والهوان، ومع ذلك لم يرضوا عنهم أيضاً، بل أسخطهم الله عليهم؛ لأنهم أرادوا إرضاءهم بسخط الله تبارك وتعالى.
فهؤلاء هم الذين هزموا أمام اليهود، وهذا يعرفه اليهود تماماً، ويوجد فيهم أناس لاسيما من بعض الأحزاب الدينية يقولون: نحن نؤمن أنه لن يكون هناك سلام إطلاقاً مع المسلمين، أو مع العرب.
فهم يؤمنون من خلال نصوص كتبهم التي يقدسونها: أنه لابد من قتال واقع في معركة فاصلة بين اليهود وبين المسلمين.
فالذي هزم ليس هو الإسلام، وإنما هي العلمانية، والذي ألقى السلاح وطلب الاستسلام ليس هو الإسلام، بل هي العلمانية، ولا يتصور أن شاباً من شباب المسلمين الصادقين المخلصين لله تبارك وتعالى إلا وهو يترقب اليوم الذي يفتح فيه باب الجهاد في فلسطين.
وما من شك أنه لو فتح باب الجهاد في فلسطين فلن يبقى مسلم مخلص لله تبارك وتعالى إلا وهو يرغب في إحدى الحسنين: إما النصر، وإما الشهادة، وليس هناك شيء وسط بعد ذلك.
فالإسلام لم ينهزم أبداً أمام اليهود في هذا الصدام؛ لأن الإسلام لم يمكن حتى الآن للتصدي لتلك المعركة العقائدية، وإنما هي معركة عقائدية تدار من جانب واحد فقط، فأصحاب العقيدة في هذه الحرب هم اليهود، فاليهود أصحاب عقيدة، لكنها عقيدة فاسدة، وهم الآن يتحركون من خلال عقيدتهم، فهل الذين يواجهون اليهود يتصرفون من خلال العقيدة، ومن خلال:{قُلْ هَلْ تَربَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ}[التوبة:٥٢]؟!
الجواب
كلا! فلذلك من الظلم أن ينسب للإسلام الانهزام أمام اليهود لعنهم الله تعالى.