قال ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله سبحانه:(ألم تر إلى الذين نهو عن النجوى) قال: اليهود، وكذا قال مقاتل بن حيان، وزاد: كان بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين اليهود موادعة، وكانوا إذا مر بهم رجلٌ من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم جلسوا يتناجون بينهم، حتى يظن المؤمن أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره، فإذا رأى المؤمن ذلك خشيهم فترك طريقه عليهم، فنهاهم النبي صلى الله عليه وسلم عن النجوى، فلم ينتهوا، وعادوا إلى النجوى، فأنزل الله عز وجل:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ}[المجادلة:٨].
وهذه روايات نذكرها من باب جمع ما قيل في الآية وإن لم نقف على من صححها، ومن ذلك ما روى ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه قال:(كنا نتناوب رسول الله صلى الله عليه وسلم فنبيت عنده تكون له الحاجة، أو يطرقه أمر من الليل فيبعثنا والمحتسبون وأهل النوب؛ فكنا نتحدث، فخرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقال: ما هذه النجوى؟ ألم تُنهوا عن النجوى؟ قلنا: تبنا إلى الله يا رسول الله! إنا كنا في ذكر المسيح -يعني: المسيح الدجال - قال: فرقاً منه؟ فقال: ألا أخبركم بما هو أخوف عليكم عندي منه، قلنا: بلى يا رسول الله! قال: الشرك الخفي: أن يقوم الرجل يعمل لمكان الرجل)، قال ابن كثير: هذا إسناد ضعيف؛ فيه بعض الضعفاء.
على أي الأحوال الآية في حق قومٍ نهوا عن النجوى ثم لم يمتثلوا هذا النهي، وإنما عادوا لما نهوا عنه؛ فهذا يكفينا إذا لم يصح في سبب النزول حديث.
وقوله سبحانه:((وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ)) أي: يتحدثون فيما يختص بأحوالهم، ويكون فيه إثم ومعصية، أما العدوان فهو إثم يتعلق بغيرهم، ومنه معصية الرسول صلى الله عليه وسلم ومخالفته، حيث كانوا يصرون عليها ويتواصون بها.