أما تمسك يهود بهويتهم الدينية فحدث ولا حرج، فإن دولتهم اللقيطة لم تقم إلا على أساس خالص من الدين اليهودي؛ فهي تحمل اسم نبي الله يعقوب عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام، وإن كان هو بريئاً منهم براءة الذئب من دم ابنه يوسف عليهما السلام.
وإسرائيل ليس لها دستور؛ لأن دستورها هو التوراة، فالدستور في إسرائيل هو التوراة، واليهود يتشبثون بتعاليم التوراة، ويعضون عليها بالنواجذ في مجالات العلم والدين والسياسة والاجتماع، وفي حياة الفرد اليومية، حتى اللغة العبرية التي انقرضت من ألفي سنة بعثوها من مرقدها، حتى صاروا يتعاملون بها، ولم يقل لهم أحد: إن العبرية لها مدة ألفي سنة منقرضة، ولن تتسامى إلى العلم الحديث، كما يزعم المستشرقون في شأن اللغة العربية الآن، واليهود يدرسون بالعبرية الطيران والصواريخ وكل العلوم، مع أنها لغة ميتة، فمنذ ألفي سنة انقرضت العبرية، ولكنهم بعثوها من مرقدها، وألفوا بها أدباً نالوا به ما يسمى " بجائزة نوبل ".
وعندما أراد اليهود إقامة سفارة لهم في القاهرة أصروا على أن يكون موقعها على الجهة الغربية من النيل، ولم يرضوا أن يكون لهم أي مبنى على الجهة الشرقية؛ احتراماً لعقيدتهم في أن حدود إسرائيل الكبرى تنتهي عند الجهة الشرقية من نهر النيل.
وعلم دولتهم فيه خطان أزرقان إشارة إلى النيل والفرات، ومنطقة السيادة بينهما عليها النجمة السداسية المسماة بنجمة داود.
وفي جامعة تل أبيب عقدت ندوة في (١٩/ ٢/١٩٨٣م) حول دعم علاقة السلام بين مصر وإسرائيل، أثار اليهود فيها موضوع ما ورد في القرآن الكريم من اتهامات ضد اليهود، وتناقل هذا في مطبوعات أخرى بمصر، فقام الدكتور مصطفى خليل معتذراً إلى اليهود فقال: إننا في مصر نفرق بين الدين والقومية، ولا نقبل أن تكون قيادتنا السياسية مرتكزة على معتقداتنا الدينية! فرد عليه ديفيد سيفان قائلاً: إنكم -أيها المصريون- أحرار في أن تفصلوا بين الدين والسياسة، ولكننا في إسرائيل نرفض أن نقول: إن اليهودية مجرد دين فقط! فلو نظرنا إلى مكائد الغرب في هوياتنا المسلمة لعلمنا أن النسبة الأعلى هي طمس الهوية الإسلامية باستبدالها بأي هوية أخرى، سواءً كانت هوية وثنية أو قومية أو هوية قطرية تفتتنا وتشتتنا، أو هوية عالمية تميع انتماءنا بديننا، المهم هو أن تمحى الهوية الإسلامية المتميزة؛ كي يحال بيننا وبين أن يكون الإسلام عماد الحاضر والمستقبل، وكي نصير كمن قيده عدوه بعد أن جرده من سلاحه وانتزع أظفاره وخلع أسنانه، ثم وضع الغل في عنقه والقيد في معصمه، وإذا به يطالبنا أيضاً أن نشكر له هذا الصنيع، ونفخر بهذا الغل، ونتباهى بهذا القيد، ونعتز لأننا عبيد لهذا السيد!