[تعذر العمل بالقرآن وحده]
أما الدليل الخامس فهو: تعذر العمل بالقرآن الكريم وحده، وتعذر إقامة الشريعة، وإقامة الفضائل، وسائر أمور الدين بدون الرجوع إلى سنة النبي صلى الله عليه وآله وسلم، يقول الله تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣].
ونحن اليوم نتكلم في هذا الموضوع، وقد صدرت تصريحات ممن يتطاول وهو جاهل ولا يعرف قدر نفسه، حيث تكلم في عمر رضي الله تعالى عنه، وهو لا يعلم أن مما بايع عليه الصحابة: (وألا ننازع الأمر أهله)، وليس هذا خاصاً في الخروج على الخلفاء فقط، بل يدخل فيه احترام التخصصات؛ فهذا الجاهل يجلس أمام مجموعة من الشيوخ، ويطعن في السنة، ولا يقوى واحد منهم فقط على أن يعترض، بل أقروه ليتكلم كما يشاء فيما يتعلق بالدين وهو عدو نفسه وعدو الله؛ فالله المستعان على ما نرى من فتن آخر الزمان، ونطق الرويبضة! وقد كان له أن يتكلم في أي شيء من أمور الدنيا، لكن تكلم في أمر الدين، وأنكر سنة النبي عليه الصلاة والسلام، وهو يعتبر نفسه شيخاً من مشايخ الإسلام، وأنه يمثل الإسلام، فيظن أنه إذا كتب مقالاً ينكر فيه السنة فلن يكون هناك شيء اسمه السنة، ولا يعلم أن الرسول صلى الله عليه وسلم قد بشره الله سبحانه وتعالى بقطع كل من يؤذيه كما في قوله تبارك وتعالى: {إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ * فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ * إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الأَبْتَرُ} [الكوثر:١ - ٣].
والأبتر هو مقطوع الذكر، وهو الذي يقطع من الخير كله بسبب بغضه وشنآنه لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لسنته.
كل رويبضة تافه، يوغل في الجهل وفي الصد عن سبيل الله، ومع ذلك يظن نفسه حجة، فيتجرأ ويأتي أمام المشايخ الأزهريين ويقول لهم: نحن ليس عندنا شيء اسمه سنة، فلا نعترف بسنة، نحن نعترف بالقرآن وحده! فنقول لمثل هذا: قال الله سبحانه وتعالى مثلاً: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة:٤٣].
وهذا نفهم منه وجوب الصلاة والزكاة، ولكن ما هي تلك الصلاة الواجبة؟ ما وقتها؟ ما عددها؟ وعلى من تجب؟ وكم مرة تجب في العمر؟ وما هي هذه الزكاة؟ وعلى من تجب؟ وفي أي مال تجب؟ وما مقدارها؟ وما شروط إخراجها؟ وقال الله تبارك وتعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل:٢٠].
والذي نأخذه من الآية وجوب قراءة ما تيسر من القرآن الكريم، لكن ما المراد من هذه القراءة؟ هل هي في الصلاة؟ أم هي قراءة القرآن عموماً؟ وإذا كانت في الصلاة ففي أي ركعة؟ وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا} [الحج:٧٧].
ففهمنا من الآية وجوب الركوع والسجود، لكن كم عدد الركعات في اليوم؟ وجاء في السنة أكثر من ركوع في صلاة الخسوف.
وقال تبارك وتعالى: {وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلا يُنفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [التوبة:٣٤].
ففهمنا من ذلك تحريم الكنز وعدم الإنفاق، لكن ما المراد بهذا الإنفاق المقابل للكنز؟ هل هو إنفاق جميع المال كما فهم الصحابة لما نزلت هذه الآية، أم إنه إنفاق بعض المال؟ وهذا البعض من الذي يحدده؟ وقال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} [الأنعام:٨٢].
فما المراد بالظلم: هل هو جميع أنواع الظلم كما فهم الصحابة أم أنه نوع خاص منه كما بينه النبي صلى الله عليه وسلم؟ لا شك أنه خاص وهو الشرك قال تعالى: {إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ} [لقمان:١٣].
وقال تعالى أيضاً: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُمَا جَزَاءً بِمَا كَسَبَا نَكَالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} [المائدة:٣٨].
نفهم من الآية وجوب قطع يد كل منهما، لكن هل كل سرقة توجب القطع؟ وما هي شروط قطع اليد؟ وما هو نصاب المال الذي توجب سرقته قطع اليد؟ وكيف يتم القطع؟ وهل تقطع اليد من الكتف أم من العضد أم من الكوع؟ هذا كله محتمل من حيث اللغة.
وإذا تكررت السرقة فهل يتكرر القطع؟ كل هذا لم يبينه إلا النبي صلى الله عليه وآله وسلم، ولذلك لما أرسل علي بن أبي طالب ابن عباس إلى الخوارج قال له: اذهب إليهم فخاصمهم -يعني: ناظرهم- ولا تحاجهم بالقرآن، فإنه ذو وجوه، ولكن خاصمهم بالسنة.
قال الشاعر: ورب فقيه خابط في ضلالة وحجته فيها الكتاب المنزل بعض النصوص القرآنية الكريمة عامة، وهي مفتقرة إلى التبليغ الذي بينها به الرسول صلى الله عليه وسلم أو العلماء.