قال ابن السماك: سبعك بين لحييك -يعني أنه يشبه اللسان بالسبع، وأن هذا السبع الضاري موجود بين الفكين- تأكل به كل من مر عليك، قد آذيت أهل الدور في الدور حتى تعاطيت أهل القبور -أي: قد انتهيت من غيبة الأحياء ثم بعد ذلك تحولت للكلام في الموتى في قبورهم-: فما تركي وقد جرى البلى عليهم، وأنت هاهنا تنبشهم، إنما نرى نبشهم أخذ الخرق عنهم، إذا ذكرت مساويهم فقد نبشتهم، إنه ينبغي لك أن يدلك على ترك القول في أخيك ثلاث خلال: أما واحدة: فلعلك أن تذكره بأمر هو فيك، فما ظنك بربك إذا ذكرت أخاك بأمر هو فيك، ولعلك تذكره بأمر فيك أعظم منه، فذلك أشد استحكاماً لمقته إياك، ولعلك تذكره بأمر قد عافاك الله منه فهذا جزاؤه إذ عافاك؟ يعني: هل هذا من شكر نعمة الله أنه عافاك من هذا البلاء؟ ارحم أخاك واحمد الذي عافاك.
لسانك لا تذكر به عورة امرئ فكلك عورات وللناس ألسن وعينك إن أبدت إليك مساوئاً فصنها وقل يا عين للناس أعين ففي الحقيقة أن اللسان من الأعضاء الخطيرة الشديدة الخطر، ومن يعرف تشريح اللسان يجد أن بعض الألياف طويلة وبعض الأحيان تكون عرضية أو مائلة، فاللسان فيه كل أنواع العضلات، فيه عضلات بالطول والعرض والمائلة والمستعرضة وغيرها، واللسان هي العضلة الوحيدة التي لا تتعب من كثرة الحركة، فممكن أن الإنسان يتكلم خمس ساعات ولا يشعر بمشقة في كثرة الكلام، وهي خطيرة جداً، فبالتالي يحتاج الإنسان إلى أن يلزم جانب الأمان.
فالأفضل للإنسان أن يعتاد الصمت، كما نصح العلماء: إذا استوت المصلحة والمفسدة في الكلام فلا تتكلم، أما إذا رجحت المصلحة فنعم، وإذا غلبت المفسدة فيكون أولى ألا تتكلم، يقول الله عز وجل:{هَذَا كِتَابُنَا يَنطِقُ عَلَيْكُمْ بِالْحَقِّ إِنَّا كُنَّا نَسْتَنسِخُ مَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ}[الجاثية:٢٩] وقال عز وجل -وهي آية في الحقيقة فيها أعظم زجر عن إطلاق اللسان-: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ}[ق:١٨] فلا توجد كلمة تخرج منك إلا وتسجل وتكتب.