حذرنا الله من طول الأمد فقال تبارك وتعالى:{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ}[الحديد:١٦] يعني أن طول الأمد وطول العهد يقسي القلب، فتعود قلبه أن يسمع الأحاديث والآيات ولا ينفعل بها، وتعود أن يعرف أدلة غض البصر وأدلة وجوب الحجاب وتحريم مصافحة الأجنبية ثم نتيجة كون السلوك ينفصم عن الالتزام بهذه الأشياء تجد قلبه يموت، فهل ينفع الضرب في حديد بارد؟ لا ينفع، لا بد من أن ينصهر هذا الحديد ويلين، فهذا القلب القاسي لا ينتفع بالمواعظ، ولا ينفعل بها، والموعظة مثل الصقر لا يسقط على جيفة بل لا بد من أن يصطاد الشيء الحي، فكذلك الموعظة لا تسقط إلا على القلب الحي فينتفع بها، فلذلك من أخطر الأشياء مرض القلب، والإنسان لا بد أن يتحرى أسباب مرض القلب ويقوم بعلاج هذا القلب، يقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم مرسياً لهذه القاعدة:(ألا وإن في الجسد مضغة إذا صلحت صلح الجسد كله، وإذا فسدت فسد الجسد كله، ألا وهي القلب) ويقول عليه الصلاة والسلام (إن الله لا ينظر إلى أجسادكم وصوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)، وقال:(التقوى هاهنا التقوى هاهنا) ويشير إلى صدره الشريف صلى الله عليه وآله وسلم، ويقول عليه الصلاة والسلام:(لا يستقيم إيمان عبدٍ حتى يستقيم قلبه، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه).
ويقول تبارك وتعالى:{كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤] يعني: الذنوب تغطي القلب وتحول بينه وبين الهدى.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:(إن العبد إذا أخطأ خطيئةً نُكتت في قلبه نكتة سوداء، فإن هو نزع واستغفر وتاب صقل قلبه، وإن عاد زيد فيها حتى تعلو قلبه، وهو الران)، أي: الذي ذكره الله تعالى فقال: {كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}[المطففين:١٤].
فالشاهد أن هذا هو أثر الذنوب، فلا بد من أن القلب يتأثر، ولا يعرف القلب حالة السكون أبداً، إما أن يكون في ازدياد، وإما أن يكون في نقص حسب تجاوبه مع ما يعرض عليه من الفتن، حسب القاعدة التي ذكرها الله عز وجل في سورة الرعد (إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١]، فإذا وصل الإنسان إلى حالة الرضا عن نفسه والقناعة بما هو فيه لن يسمح أبداً إلى إحداث تغيير في حياته وقلبه، فأول البداية أن الإنسان يفيق قلبه ويبعث من جديد وتدب إليه الحياة، لذلك بعد ما رغب الله عز وجل المؤمنين في التوبة قال تبارك وتعالى:{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}[الحديد:١٧] كذلك الله يحيي القلوب بعد موتها، فالله يحيي موتى الأبدان ويحي الأرض بدبيب الحياة فيها من جديد فينزل عليها المطر، ويحي القلوب أيضاً بعد موتها وهو على كل شيء قدير.
وهناك أسباب لابد من أن يسلكها الإنسان، والإنسان مادام غير راضٍِ عن نفسه فإنه يوجد فيه بقية من خير، لذلك لما سئل عليه الصلاة والسلام عن المؤمن قال: (إذا غرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن) فهذا اختبار للقلب، فننظر هل يفرح بالسيئة ويمرح وتزين له أم أن القلب يتألم ويكتئب ويحزن ويندم على ما فرط، (إذا غرتك حسنتك وساءتك سيئتك فأنت مؤمن) لأن هذه علامة أن القلب ما زال حيَّاً ينفعل بالخير ويكره الشر، وكما قال تبارك وتعالى في شأن أهل الكهف:{إِذْ قَامُوا فَقَالُوا رَبُّنَا رَبُّ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ}[الكهف:١٤](قاموا) في قيام للقلب، أي: انتباه ويقظة من الغفلة.
هذا الانتباه في حد ذاته قد يأتي من أسباب، وقد يلقيه الله في قلب العبد فتتحول حياته تماماً إلى طريق الله عز وجل.