[المرأة والطفل في نظر الأعداء ونظر الشريعة]
يقول أحد المنصرين: يجب نؤثر وأن يدور التفكير في جانب العمل بين الصغار، ونجعله عمدة عملنا في البلاد الإسلامية.
إذا أردتم أن تفسدوا أولاد المسلمين فخططوا بأن تبدءوا مبكرين جداً.
يعني: منذ الصغر.
والحقيقة أن كل هذه المقدمة ليست بعيدة عن الموضوع الأساسي الذي قصدنا الحديث فيه، وهو دور المرأة في التربية والدعوة؛ فإننا جميعاً متهمون -ونحن نستحق هذا الاتهام فعلاً- بالتقصير الشديد جداً في حق الأخوات المسلمات، فأغلب خطط الدعوة تهدر حق الأخوات من الاهتمام اللائق بخطورة منصبهن، هذه الأخت هي التي تمارس العملية التربوية واقعياً وحقيقياً، وفي الغالب تجد الإخوة يشتغلون بالأنشطة الخارجية الكثيرة التي تستهلك طاقتهم، ويتركون الجبهة الداخلية خاوية، وإذا تركت خاوية فإنهم سيدفعون الثمن بلا شك.
ونحن حينما نتكلم عن حق الأخوات المسلمات في الاهتمام بهن عند التخطيط في التربية والدعوة فإن هذه ليست منة، وليست لأننا نخاف على الأبناء وليس لهن أهمية في المقام الأول، كلا، بل سنرى كيف كرم الإسلام المرأة وأعطاها من الحقوق ما لم تحظ به المرأة في أي شريعة من الشرائع ولا دين من الأديان.
هؤلاء يقولون: إن المرأة نصف الأمة.
ونحن لا نقول: المرأة نصف الأمة.
بل المرأة هي الأمة بسائرها، من منا ليس له أم أو أخت أو بنت أو زوجة، هذه هي العلاقات بيننا وبين النساء المسلمات.
درج أعداء الدين على أن يسموا كل من لا يسايرهم في أهوائهم وضلالتهم يسمونه (عدو المرأة)، فكل من لا يمشي في ركابهم يعتبر عدواً للمرأة، ويوصم بهذا اللقب المكذوب.
فمن الذي يعادي المرأة؟! كيف للمسلم أن يعادي المرأة والمرأة هي أمه أو أخته أو زوجته أو ابنته؟! فكيف يعاديها؟! وإذا كانوا يقولون: المرأة نصف المجتمع فنحن نقول للمرأة: أنت نصف الأمة، ثم إنك تلدين لنا النصف الآخر، فأنت أمة بأسرها.
ومن ثم تهتم الشريعة هذا الاهتمام بالمرأة، وقد لاحظنا ذلك كثيراً في الشريعة الإسلامية.
فانظر إلى قوله تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِمَا} [البقرة:٢٣٣]، أي أنه عندما ينفصل الزوجان بالطلاق يحصل تنظيم لعملية الرضاع ويجعل للمرأة دورٌ في موضوع الشورى في مثل هذه العملية؛ لأن عملية الرضيع مسئولية الزوجين معاً.
قال تعالى: {فَإِنْ أَرَادَا فِصَالًا عَنْ تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ} [البقرة:٢٣٣] أي: من الأب والأم مع وقوع الطلاق.
كذلك هناك مواقف كثيرة تبين احترام الشرع لرأي المرأة وتعظيم قدرها، كما سنبين إن شاء الله تبارك وتعالى فيما بعد، لكن في موضة العصر المرأة تطالب بالحقوق قبل أن تؤدي الواجبات، والمقصود المرأة غير الصالحة وغير الملتزمة التي تعتني غالباً بالمظهر وتهمل الجوهر، أو تعتني بالجسم قبل الروح، أو تعتني بزينتها في الشارع وتهمل ذلك في البيت، ولا يجوز خارج البيت.
خرجت المرأة في الغرب للعمل وزاحمت الرجال وهي مضطرة غير مختارة؛ لأنها إن لم تفعل ذلك في الغرب ستهلك وتموت جوعاً، فلا تجد من يؤويها وينفق عليها، فالبنت في الغرب إذا بلغت سن الثامنة عشرة تطرد من البيت إلى الشارع، ويمكن أن تقيم في البيت، لكن بشرط أن تدفع فاتورة الهاتف، وفاتورة المياه، وتدفع إيجاراً، وتدفع كذا وكذا وكذا، لكن أين هذا من تكريم الإسلام للمرأة؟! وبعبارة أخرى: أين هذا من تفريغ الإسلام المرأة من أجل اشتغالها بالوظيفة التي كلفها الله سبحانه وتعالى بها؟! فالمرأة في الإسلام هي مكفولة الحاجات ليس عليها نفقة، فإما أنها بنت في بيت أبيها، فأبوها يجب عليه أن ينفق عليها، وإما زوجة تحت رعاية زوجها، فالنفقة مسئولية زوجها، ففرغت من كل ما يشغلها عن وظيفتها الأساسية كما سنبين.
ونحن نحتاج قبل أن نستطرد في بحثنا إلى أن نشير إشارات عابرة إلى تكريم الإسلام للمرأة بعد الإهانة التي تعرضت لها في الجاهلية، فمعروف ما كان يحصل من كراهة الجاهليين للبنات، قال عز وجل: {وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالأُنثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ * أَيُمْسِكُهُ عَلَى هُونٍ أَمْ يَدُسُّهُ فِي التُّرَابِ أَلا سَاءَ مَا يَحْكُمُونَ} [النحل:٥٨ - ٥٩].
ولما أشرقت شمس الإسلام على المرأة ما نظر الإسلام إلى المرأة كما نظر إليها الآخرون، فالنصارى -مثلاً- نظروا إلى المرأة على أنها عبارة عن جرثومة خبيثة.
وفي الديانة اليهودية والنصرانية المرأة عدو لدود للرجل، وهي شيء خبيث ونجس يجب الابتعاد منه، بل بعض الناس كان يتمدح بأنه يهرب من ذل المرأة لأنه لم يتزوج، ويسوغ فعله ذلك بقوله: إن المسيح لم يتزوج، فهذا يدل على أن الزواج دنس ينبغي على الإنسان أن يتطهر منه ويتنزه عنه.
كذلك عقد في العصر الذي كان يقابل فترة شباب النبي صلى الله عليه وسلم مجلس عن المرأة في فرنسا، كان هذا المؤتمر مجتمعاً كي يناقش: هل المرأة إنسان فيه روح أم ليس فيه روح؟ وإذا كانت فيها روح فهل هي جديرة بالخلاص أم ليست جديرة بذلك؟ ونحو ذلك من الكلام.
وفي آخر المؤتمر قرروا أن المرأة إنسان فيه روح، ولكنها أقل من روح الرجل.