ينبغي أن يحذر الإنسان من القراءة العشوائية، وهذه آفة الآفات، فالموضوع عند بعضهم تسلية، فلا يؤديه بصورة مسئولية أو عبادة عظيمة أو فرض كفاية، لكن المسألة عنده عبارة عن قراءة عشوائية يجمع الكتب ويحسنها ثم لا يقرأ من هذه الكتب شيئاً إلا أنه يأخذ ما يروق لمزاجه، فالشيء الذي يأتي على هواه يقرأ فيه، أما الشيء الصعب عليه فلا يصبر عليه، فهو يتبع ما يوافق هواه فقط وما يحبه من العلوم، أما العلوم الصعبة فإنه يذاكرها إن كان في الجامعة فقط، فإذا كان هناك في الجامعة مادة صعبة فإنه يسهر الليالي ويبتدع كل وسيلة ممكنة كي يفهم هذه المسألة، يذهب إلى المدرس، ويذهب إلى زميله يأتي بالكتب والمراجع، ويكد الليل والنهار في سبيل أن يفهم ما صعب عليه فهمه.
أما العلوم الشرعية فهو إما أن يقرأها على السرير إلى أن ينام، أو يقرأ الشيء الذي يروق له ويبتعد تماماً عن الشيء الذي يجده صعباً، فمثل هذا لا يأتي بنتيجة، هذه قراءة جرائد ليست قراءة طالب العلم.
فليحذر -كما قال العلماء- في ابتداء طلبه من المطالعات في تفاريق المصنفات، فإنه يضيع زمانه ويفرق ذهنه، تمر سنوات وسنوات وفي النهاية يجد نفسه ما حصل شيئاً؛ لأنه لم يحقق بل شتت نفسه.
فعليه أن يعطي الكتاب الذي يقرؤه أو الفن الذي يدرسه كُلِّيته حتى يتقنه، فيهتم به ولا يشتت نفسه في قراءة المجلدات وفي قراءة الكتب في العلوم الأخرى.
وطالب العلم ينبغي أن يكون في سلوكه وفي منهجه مختلفاً تماماً عمن عداه، ولماذا نعذر الطالب الذي يكون في كلية أو في معهد أو مدرسة ونقول: لا أحد يزوره؛ فعنده امتحانات ويكون في حالة طوارئ لا أحد يقترب من البيت ولا يزوره؟ وهو عذر كل الناس تقبله، فلماذا طلب العلم الشرعي لا يكون فيه هذا التعظيم؟ وهو أولى بالتعظيم والتركيز وقطع العلائق في سبيل تحصيل هذا الهدف ولو إلى حين.
كذلك يحذر من التنقل من كتاب إلى كتاب من غير موجب، فإنه علامة الضجر وعدم الإفلاح، فالانتقال من كتاب لكتاب من غير ما يوجب ذلك هو علامة الضجر، ومثل هذا لا يفلح ولا يأتي منه خير، هذا إذا كان مبتدئاً، أما إذا تحققت أهليته وتأكدت معرفته فالأولى أن لا يدع فناً من الفنون من العلوم الشرعية إلا نظر فيه، فإن ساعده القدر وطول العمر على التعمق فيه فذاك، وإلا فقد استفاد منه ما يزيل به عداوة الجهل بذلك العلم، ويعتني من كل علم بالأهم فالأهم، ولا يغفلن عن العمل الذي هو المقصود بالعلم.