[مجمل ما يفعله الطائف بالبيت]
مجمل ما يفعله في طواف القدوم: أن يبادر إلى الحجر الأسود فيستقبله ويكبر، والسنة أن يقول: الله أكبر، وهذا قد ثبت في الحديث المرفوع، أما التسمية فهي ليست في حديث مرفوع، ولكنه موقوف على ابن عمر، فلا بأس أن يقول: باسم الله، والله أكبر، ثم يستلمه بيده فيمسحه ويقبله بفمه، ويسجد عليه أيضاً، فقد فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وعمر وابن عباس، فإن لم يمكنه تقبيله مسحه ثم قبل يده، فإن لم يمكنه الاستلام أشار إليه من بعيد بيده، ويفعل ذلك في كل طوفة ولا يزاحم عليه؛ لأمر النبي صلى الله عليه وسلم: (يا عمر إنك رجل قوي فلا تؤذ الضعيف، وإذا أردت استلام الحجر فإن خلا لك فاستلمه وإلا فاستقبله وكبر) وفي استلام الحجر فضل كبير؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ليبعثن الله الحجر يوم القيامة وله عينان يبصر بهما ولسان ينطق به، ويشهد على من استلمه بحق) وهذا حديث صحيح.
وقال صلى الله عليه وسلم: (مس الحجر الأسود والركن اليماني يحطان الخطايا حطّاً).
وقال صلى الله عليه وسلم: (الحجر الأسود من الجنة) أي: ليس على وجه الأرض شيء من الجنة غير الحجر الأسود، (الحجر الأسود من الجنة، وكان أشد بياضاً من الثلج حتى سودته خطايا أهل الشرك).
ثم يبدأ الطواف حول الكعبة يجعلها عن يساره، فيطوف من وراء الحِجْر سبعة أشواط يضطبع فيها كلها، ويرمل في الثلاثة الأول منها، ويمشي في سائرها، ويستلم الركن اليماني بيده في كل طوفة دون أن يقول: باسم الله والله أكبر، وإذا عجز عن استلامه من بعيد لا يشير إليه، ولا يقول شيئاً؛ لكن السنة بين الركنين أن يقول: ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، فهذا هو الدعاء المأثور مع التسمية في الطواف، وما عدا ذلك فلا يوجد دعاء مأثور.
لكن الركنين الشاميين لا يستلمهما، وبعض العلماء يقول: لو تم بناء الكعبة لاستلمنا الركنين الشاميين أيضاً.
بعد ذلك يجوز له أن يلتزم ما بين الركن والباب، وهي مسافة قدر أربعة أذرع بين الحجر الأسود وبين الباب، ومعنى الالتزام: أن يقترب من الكعبة فيضع صدره ووجهه وذراعيه عليه ويدعو عنده.
وقد روي ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من طريقين يرتقي بهما الحديث إلى مرتبة الحسن، ويزداد قوة بثبوت العمل به عن جمع من الصحابة منهم ابن عباس رضي الله عنهما قال: هذا الملتزم بين الركن والباب، وقال شيخ الإسلام: وإن أحب أن يأتي الملتزم بين الحجر الأسود والباب فيضع عليه صدره ووجهه وذراعيه، وكفيه، ويدعو ويسأل الله تعالى حاجته؛ فعل ذلك، وله أن يفعل ذلك قبل طواف الوداع، فإن هذا الالتزام لا فرق بين أن يكون حال الوداع وغيره، وقد كان الصحابة يفعلون ذلك حين يدخلون مكة.
ولو وقف عند الباب ودعا هناك من غير التزام للبيت كان حسناً، فإذا ولى فلا يقف ولا يلتفت ولا يمشي القهقرى.
ليس للطواف ذكر خاص، فله أن يقرأ من القرآن أو من الذكر ما شاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (الطواف بالبيت صلاة ولكن الله أحل فيه النطق، فمن نطق فلا ينطق إلا بخير) وفي رواية: (فأقلوا فيه الكلام).
قال شيخ الإسلام: وليس فيه ذكر محدود عن النبي صلى الله عليه وسلم لا بأمره ولا بقوله ولا بتعليمه، بل يدعو فيه بسائر الأدعية الشرعية، وما يذكره كثير من الناس من دعاء معين تحت الميزاب ونحو ذلك فلا أصل له.
ومن آداب الطواف: أن يكون في طوافه خاشعاً حاضر القلب، ملازماً للأدب بظاهره وباطنه، في هيئته وحركته ونظره، فإن الطواف صلاة فيتأدب بآدابها، ويستشعر بقلبه عظمة من يطوف ببيته، ويخفض صوته، ويقل الكلام، فإن نطق فلا ينطق إلا بخير، ويصون نظره عما لا يحل النظر إليه.
ولا يجوز أن يطوف بالبيت عريان ولا حائض؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (لا يطوف بالبيت عريان) وقال لـ عائشة رضي الله عنها لما حاضت: (افعلي كما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت، ولا تصلي حتى تطهري) فلا يجوز للحائض أن تطوف بالبيت.
فإذا انتهى من الشوط السابع غطى كتفه الأيمن، وانطلق إلى مقام إبراهيم وقرأ {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة:١٢٥] فجعل المقام بينه وبين البيت وصلى عنده ركعتين يقرأ في الأولى بعد الفاتحة سورة الكافرون وفي الثانية بعد الفاتحة سورة الإخلاص، ثم إذا فرغ من الصلاة ذهب إلى زمزم فشرب منها وصب على رأسه؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ماء زمزم لما شرب له) وقال أيضاً: (إنها مباركة، وهي طعام طعم، وشفاء سقم).
وقال صلى الله عليه وسلم: (خير ماء على وجه الأرض ماء زمزم، فيه طعام من الطعم، وشفاء من السقم).
وبعدما يصلي الركعتين ويشرب زمزم يعود إلى الحجر الأسود فيكبر ويستلمه على التفصيل الذي ذكرناه، وهذه نقطة ينساها كثير من الناس.