ثم يناقش بعد ذلك قضية: السيادة في المجتمعات الغربية، فيذكر تحت عنوان:(انتقال السيادة إلى الأمة على يد الثورة الفرنسية) يعني: السيادة فيما مضى كانت تمزج بين شخص الملك وبين الدولة، فنظام الحكم قبل الثورة الفرنسية كان قائماً على المزج بين الشخصيتين: شخصية الملك وشخصية الدولة، وعبر عنها في أوضح صورها لويس الرابع عشر بقولته المشهورة: أنا الدولة! أنا الدولة! وكان الملك هو صاحب الحق في السيادة بمقتضى ما له من الصفات الشخصية، وكانت تتركز فيه وحدة سلطة الدولة، فلما قامت الثورة الفرنسية توجه النظام إلى أساس آخر، وهو المزج بين الأمة والدولة، وأصبحت السيادة ملكاً للأمة، وأخذت فكرة سيادة الأمة طريقها إلى القانون العام الفرنسي، وفي المادة الثالثة من إعلان حقوق الإنسان الصادر في (١٨٧٩م) النص على أن السيادة للأمة، وعلى أن القانون هو التعبير عن إرادة الأمة.
خلاصة هذا: أن السيادة للأمة باعتبارها شخصاً متميزاً عن الأفراد المكونين لها، فالسيادة ليست ملكاً لأفراد الأمة مستقلين، فليس لكل منهم جزء من السيادة، وإنما للسيادة صاحب واحد، وهو الأمة التي هي شخص جماعي مستقل عن الأفراد الذين يكونونها، فالإرادة العامة للأمة التي صارت مستقراً ومستودعاً لهذه السيادة هي ذلك الوجود المعنوي أو المجازي الذي انبثق من مجموع الإرادات الفردية، واستقل عنها.