أول ضابط من ضوابط الخلاف السائغ خفاء الدليل الراجح مع قصد الحق، أي: أن النية من الإمام أو العالم المجتهد أنه يريد الحق، لكن خفي عليه الدليل الواضح الذي يحكم المسألة، فهذا خلاف سائغ، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: إنه إذا كان في المسألة نص خفي على بعض المجتهدين وتعذر عليه علمه، ولو علم به لوجب عليه اتباعه، ولكنه لما خفي عليه اتبع النص الآخر، وهو منسوخ أو مخصوص، وهو لم يعلم بالدليل المخصص أو الناسخ، أو لم يصح عنده.
فهذا أول ضابط من ضوابط الخلاف السائغ، وهو خفاء الدليل الراجح مع قصد الحق، وهذا أغلب خلاف الأئمة رحمهم الله تعالى، كالإمام الشافعي والإمام أحمد ومالك وأبي حنيفة وغيرهم، فلا يمكن أن يظن بواحد منهم أنه يتعمد مخالفة الدليل، وهكذا كان الأئمة مع بعضهم.
ولقد كان في بريطانيا أحد الإخوة السلفيين لا يمكن أبداً أن يصلي خلف إمام حنفي، فيضيع صلاة الجماعة ولا يصلي خلف إمام مذهبه حنفي، ولما تناقشت معه في ذلك قال: لأن الحنفي يرد سنة الرسول عليه الصلاة والسلام! وهل يظن بمسلم أن يرد سنة الرسول عليه الصلاة والسلام؟! فلذلك هذا ضابط مهم جداً.
والعلماء تقطع بأنهم يريدون الحق، وقصد الحق موجود عندهم، وقد يخالف أحدهم الحق لكن لا يقصد ذلك ولا يتعمده أبداً.
فالشاهد أن أول الضوابط خفاء الدليل الراجح مع قصد الحق، فنظن بالعلماء أنهم يقصدون الحق، وقد يخالف أحدهم الحق لا عن عمد، لكن عن عذر لخفاء هذا الدليل أو عدم بلوغه إياه، أو عدم صحته عنده، أو تأوله إياه.