الضابط الرابع: لا يكون الخلاف سائغاً إلا من أهل العلم والاجتهاد والفقه في الدين.
لا يمكن أن يكون الخلاف سائغاً إلا من أهل العلم والبصيرة والاجتهاد في الدين، ولا يفتح باب الاجتهاد على الإطلاق لكل شخص من عوام الناس أو طالب علم، فيقول أحدهم: أنا اجتهدت في هذه المسألة، ورأيت فيها بخلاف كلام هذا الإمام، ويعتبر أن هذا الخلاف سائغ! الخلاف السائغ هو الذي يصدر عن أهل العلم وأئمة الاجتهاد والفقه في الدين.
والخلاف السائغ هو خلاف الأئمة وأهل العلم، ويمكن أن يكون الإمام مجتهداً، ويقصر في الاجتهاد، فلابد أن يبلغ الفقيه وسعه في فهم حكم الشرع، فلو أن إماماً من الأئمة المجتهدين أفتى دون أن يبذل وسعه، فهذا غير سائغ؛ لأن ضابط الاجتهاد: أن يبذل العالم أقصى وسعه في تحري الحق وقصده، فإن خالف ففي الحديث:(إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر).
لكن إذا لم يجتهد وأفتى بدون بذل الوسع فلا يدخل تحت هذا الحديث، والآن كل من هب ودب يستدل بهذا الحديث على آرائه واجتهاداته، ويظن أنه مأجور حتى لو أتى الأمر من غير بابه ولم يكن مجتهداً، بل حتى ولا طالب علم ولا مجتهد في العلم، ومع ذلك يقول: أقول، ومذهبنا الذي نرجحه! وغير ذلك من العبارات الرنانة، وهؤلاء لا عبرة بكلامهم على الإطلاق، فإنه لا يكون الخلاف سائغاً إلا إذا كان صادراً من أهل العلم والاجتهاد والفقه والبصيرة في الدين.
ذكر شيخ الإسلام أنواع المجتهدين فقال: بخلاف الذين أفتوا المشجوج في البرد بوجوب الغسل فاغتسل فمات، فإنه صلى الله عليه وسلم قال:(قتلوه قتلهم الله! هلا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال)، فأنكر عليهم اجتهادهم.
فهم اجتهدوا عن غير أهلية، فليس عندهم مؤهلات للاجتهاد، ولذلك أنكر عليهم النبي عليه الصلاة والسلام، ولم يقل كما قال في الحديث الآخر:(إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر)، وإنما قال:(قتلوه قتلهم الله! هلا سألوا إذا لم يعلموا؟ إنما شفاء العي السؤال)، فإن هؤلاء أخطئوا بغير اجتهاد إذ لم يكونوا من أهل العلم.