[معاملة اليهود والمنافقين للنبي صلى الله عليه وسلم]
قال عز وجل:{أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوَى ثُمَّ يَعُودُونَ لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَيَتَنَاجَوْنَ بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَمَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}[المجادلة:٨]، جاء في بعض الأحاديث أنهم كانوا يحيونه بما لم يحيه به الله، فكانوا يقولون: السام عليكم، وهو يقول: السلام عليكم، كما حياه الله بذلك، {وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ}[المجادلة:٨] فهذا يدل على أنهم في الباطن مكذبون بالرسول صلى الله عليه وسلم، فإما أن يكونوا منافقين، وإما أن يكونوا من اليهود، كما جاء في تفسير هذه الآية، فإنهم حينما يفعلون ذلك يستبطئون نزول عذاب الله، ويقولون: لو كان هذا نبياً حقاً لنزل العذاب.
وقوله تعالى:{وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ}[المجادلة:٨] أي: أنهم يحرفون الكلام وفيه إيهام السلام وليس بسلام، وإنما هو شتمٌ في الباطن، وهذه عادتهم، كما كانوا يقولون للنبي عليه الصلاة والسلام راعينا، وإنما يقصدون بذلك وصفه بالرعونة، ولذلك نهينا عن أمثال هذه العبارات، وإنما أمرهم الله أن يقولوا: انظرنا، ولا يقولوا: راعنا.
والملاحدة يعرفون في لحن القول الذي يلحنونه ليؤذوا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم؛ فهم يشتمونه في الباطن، ويقولون في أنفسهم: لو كان هذا نبياً لعذبنا الله بما نقول له في الباطن؛ لأنهم يخفون هذه النوايا الخبيثة، والله يعلم ما يسرون، ويقولون: لو كان هذا نبياً حقاً لأوشك أن يعاجلنا الله بالعقوبة في الدنيا، فقال الله تبارك وتعالى:{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ}[المجادلة:٨]، وأما الدنيا فيحصل فيها الاستدراج والإمهال،، فليس التفسير الوحيد لعدم نزول العذاب أنه ليس نبياً؛ لأن عدم نزول العذاب قد يكون لأسباب كثيرة، وقد يكون رحمةً بهم أنفسهم، لعلهم يتوبون، أو لوجود الرسول صلى الله عليه وسلم بينهم، فلا يحول ذلك دون نزول العذاب، أو لغير ذلك من الأسباب، لكنهم يعلقون على عدم نزول العذاب الدنيوي هذا الأمر فقط، فقال عز وجل:{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ}[المجادلة:٨] أي: يكفيهم جهنم، وهل بعد ذلك عذاب؟ حيث يخلدون في عذاب الله أبد الآبدين، فهي تكفيهم؛ لأنهم في الدار الآخرة يصلونها فبئس المصير.
روى الإمام أحمد بسنده عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما:(أن اليهود كانوا يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم: سامٌ عليك، ثم يقولون في أنفسهم: لولا يعذبنا الله بما نقول: فنزلت هذه الآية: ((وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ وَيَقُولُونَ فِي أَنفُسِهِمْ لَوْلا يُعَذِّبُنَا اللَّهُ بِمَا نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ)) [المجادلة:٨]).
قال ابن كثير: إسناده حسن.
وقال العوفي عن ابن عباس رضي الله عنهما:{وَإِذَا جَاءُوكَ حَيَّوْكَ بِمَا لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللَّهُ}[المجادلة:٨] قال: كان المنافقون يقولون لرسول الله صلى الله عليه وسلم إذا حيوه: سام عليك، قال الله:{حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَهَا فَبِئْسَ الْمَصِيرُ}[المجادلة:٨].